فى أواخر الأربعينيات قدم يوسف وهبى، مخرج فيلمه كرسى الاعتراف، المأخوذ عن إحدى المسرحيات الإيطالية المكتوبة فى القرن 19، وقد التزمت بالنص المسرحى الذى سبق أن قدم باللغة العربية الفصحى وكان الفيلم فريدا من نوعه للسينما المصرية تدور أحداثه فى الفاتيكان وبعيدا تماما عن البيئة المصرية والفيلم يتحدث عن كاردينال (رجل دين) يحتفظ بسر شخص اعترف له بارتكابه جريمة وحامت الشبهات حول الكاردينال بأنه هو المجرم المشبوه ولم يعترف أبدا باسم الفاعل مهما تعرض للأذى والاتهام.
فى عام 1951 قدم ألفريد هيتشكوك فيلمه (انى اعترف) بطولة ان باكستر ومونتجمرى كليفت، حول نفس الموضوع وهناك قس فى كنيسة تعترف له امرأة بسرها وجريمتها وعندما يتم القبض عليها يتم استدعاء اللص كشاهد إلا أنه يرفض تماما البوح بسر المرأة حتى لو تعرض للمحاكمة.
الفكرة نفسها قدمها المخرج والممثل محمود اسماعيل فى فيلم الطاهرة عام 1957 وقد تحولت شخصية القديس إلى امرأة ترتدى الخمار الأبيض وهو الزى الذى انتشر فى العالم الاسلامى فى العقود الأخيرة إلى القرن العشرين، وبطلة الفيلم الطاهرة جسدتها مريم فخر الدين صاحبة الوجه الجميل ولذلك فإن هذه الشخصية كانت غريبة على المرأة المصرية فى السينما، حيث إن هذا الرداء كان مخصصا لعواجيز النساء مثل فردوس محمد وأمينة رزق وثريا فخرى.
تدور الأحداث فى منطقة دينية حيث يقع مسجد السيدة زينب وتعيش الطاهرة ترتزق من بيع البليلة وتسكن وحدها فى غرفة، وفى إحدى الليالى تقوم الشرطة بالبحث عن لص هارب يلجأ إلى غرفة الطاهرة، وعندما تراه يطلب منها ألا تبوح بسره، وتصبح الطاهرة فى حال خاص جدا أنها مسئولة عن حفظ سر الهارب المجرم ويحدث نقاش بين الفتاة واللص وتخفيه أسفل فراشها، لأنها ليست كاذبة فإن الشرطى يصدق ما تقوله بأن المطارد ليس موجودا أسفل الفراش وفى اليوم التالى تستدعيها الشرطة للتعرف على اللص وسط حالة استعراض لعرض المشبوهين فترفض أن تعترف على الرجل، وعندما يسألها شيخها وأستاذها عن سبب ذلك تخبره أنها مؤمنة أن حاله سينصلح، وبالفعل فإن مثل هذا التصرف يحول اللص إلى تائب ويقع فى حب الفتاة التى سرعان ما يتم القبض عليها ويتم التحقيق معها إلا أنها ترفض دوما أن تبوح بسره، فقد حوّل المخرج القسيس إلى امرأة مسلمة ملتزمة ولم يشأ أن يجعل الأحداث تدور فى أجواء مسيحية مصرية كما فعل يوسف وهبى فى فيلمه بالفاتيكان، علما أنه ليس فى الدين الإسلامى ما يُسمى «الاعتراف» على الطريقة المصرية وبالتالى فإن الطاهرة هى النموذج المختار عند الكاتب والمخرج وفى هذا الفيلم مُنح محمود اسماعيل نفس الشخصية التى جسدها دوما فى جميع أفلامه وهو الخارج عن القانون الغليظ باعتبار أن شكله العام وصوته الأجش لا يصلحان قط كى يكون الشخص الطيب أو الأب الحنون ومن أفلامه المشهورة فى هذا الإطار: سمارة، زنوبة، توحة، وأفلام أخرى منها بياعة الورد وعفريت سمارة وبنت الحتة، وقد تحدثنا فيما قبل عنه كمخرج فقط لأفلام بعيدة تماما عن ما قدمه فى الأفلام المصرية مثل جسر الخالدين وطريق الأبطال.
لم تتطرق السينما بعد ذلك إلى فكرة الاحتفاظ بالسر المعترف به وفى فيلم اليوم كانت هناك حكايات فرعية عن مجرمين يعمل معهم مصطفى الذى فاز بقلب المرأة الطاهرة وتاب إلى الأبد، وكان من أبطال الفيلم أيضا محمود المليجى، أما مريم فخر الدين فكانت فى تلك الفترة صاحبة الوجه الملائكى فى السينما وتعددت وجوه الملائكة على ملامحها فى أفلام عديدة منها، رد قلبى ورنة خلخال والأرض الطيبة.