تعددت فى الأيام القليلة الماضية فى مصر مشكلات اقتحام للخصوصية عبر الهواتف المحمولة، فمن فتاة الرحاب إلى الفتاة المنتحرة إلى المعلمة... إلخ. ما جعل هناك ضرورة لضبط جميع تلك الأمور.
والمعروف أنه عندما دخلت الهواتف المحمولة فى مصر مع بداية الألفية، كانت تستخدم لأغراض محدودة وبسيطة وسهلة. فكان الهاتف يستقبل ويرسل المكالمات والرسائل، وتطور الأمر قليلًا فأصبح المرء يعرف من حاول الاتصال به ومن أى رقم، وأصبح يستعان بالهاتف فى معرفة الوقت وكآلة تنبيه. فى هذه المرحلة، كانت الهواتف المحمولة فوائدها تبدو أكثر بكثير من أضرارها، بل إن شاء المرء القول، لم يكن للهواتف أية أضرار سوى بعض الأضرار التى تصيب المستخدم كالتحديث بالهاتف أثناء شحن الطاقة.
فى هذه المرحلة من التطور كان الموبايل يستخدم لإنجاز الأعمال المهمة، وكان يمتلكه بسبب ارتفاع تكلفة الحديث عدد محدود جدًا من الناس. وكان حجم الموبايل كبيرا، ويشبه سماعة التليفون المنزلى التقليدية، ومع التطور صغر الحجم وأصبح يكاد يمسك باليد.
اليوم ظهرت أجيال مختلفة من الموبايلات ذات شاشات كبيرة، أحدثت طفرة تكنولوجية عالية، وذلك نتيجة الثورة المعلوماتية والتقنية الفائقة، النابعة من كثرة التطبيقات، التى تجعل المرء يستطيع أن يرى ما يحدث حول العالم فى ثوان، ويتابع الأحداث أثناء وقوعها، ويرسم، ويكتب، ويصور، ويسجل، ويبث للجميع، ويقوم بالأعمال الحسابية، ويدخل على الشبكة العنكبوتية، ويحفظ الملفات، ويتسوق بيعًا وشراءً، ويودع أمواله فى البنوك ويطلع على أرصدته، ويتعامل مع البورصة، ويدفع فواتير جميع الخدمات المستفيد منها كالمياه والكهرباء والغاز، ويشارك فى الاجتماعات العامة والخاصة، ويلقى المحاضرات، ويبدى رأيه فى الشئون العامة والخاصة، ويحجز تذاكر الطيران وجميع وسائل النقل، كما أصبح للموبايل فوائد أكبر بربطه بوسائل أخرى كساعات اليد والأيباد والحواسب الشخصية وشاشات كل من التليفزيون والسيارة... إلخ.
كل ما سبق من تقنيات كان يفترض أن يستغلها المرء فى كل ما هو مفيد، لكن ما يؤسف له أنه فى تلك الأيام زادت إلى حد كبير الاستخدامات السلبية للتطبيقات المذكورة، حتى أدت إلى وقوع حوادث ونواكب وخطب يندى لها الجنين، فوقعت أعمال عنف وإرهاب نتيجة تفجيرات موقوتة، وهدمت أسر، ونهبت ثروات، ونالت فئة مارقة حظوظًا ومراكز لم تكن لتستحقها.
هذه المشكلات وقعت بالتأكيد نتيجة استخدام الموبايل فى أعمال منافية للأغراض التى نشأت من أجلها، إذ سجل الناس مكالمات بعضهم البعض دون علمهم، واستمع الجالسون أحاديث عنهم من الطرف الآخر وذلك من موبايل أحد الجالسين، ونهبت بنوك وبورصات نتيجة تدخل الهاكرز لسحب الأرصدة، أو تدمير المخزون من المعلومات لدى ذاكرة حواسب الخصوم، وصورت الحفلات كى تكون وسيلة لابتزاز من يحضرها ودون إذن مسبق من المصورين، واستبيحت وسائل التقويم الدقيقة بالغش فى المدارس والجامعات عبر تقنية الساعات الذكية (سمارت ووتش)، وتفنن الموتورون والأبالسة (من الأفراد والجماعات والأجهزة الامنية) فى بلدان كثيرة بالعالم فى تركيب الصور (فوتوشوب) لضرب الناس ببعضهم البعض والنيل من أسرهم وافتضاحهم فى الحى أو المدينة، وضرب سمعتهم فى مقتل، والمساس بعفاف السيدات، وطهارة يد الشرفاء، وإخضاع الأبرياء لنوازع ورغبات المبتزين... إلخ.
كل ما سبق من أمور هى بالقطع نتيجة طبيعية لعديد المظاهر التى استشرت فى المجتمع. فأولا، لم يجد هؤلاء تعليمًا جيدًا يحض على الفضيلة، ولا أوزاع فكرية أو أيديولوجية أو دينية تسحب الشاردين لمجتمع المناقب والمكارم. هنا تكون وسائل التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمدرسة والمؤسسة الدينية المسئولية الكاملة عما وصل إليه حال بعض الناس.
ثانيًا، يعتبر الفراغ واحدًا من أهم وسائل الاستخدام السيئ لأجهزة الموبايل. فإذا انغمس الناس فى أعمال مفيدة تجلب لهم الرزق أو العلم، لما وجدوا أوقاتًا لفعل تلك المفاسد والجرائم، وما وجدوا وقتًا لجنوح وشرود أذهانهم وتفكيرهم فى إيقاع الآخرين فى المكائد والشراك والدسائس وأعمال التزوير وتزييف الحقائق والسباب المتبادل والسرقة والغش، وكلها أمور تتم يوميًا بل ولحظيًا عبر الكثيرين الذين يتعمدون بسبب أوقات الفراغ لفعل الرذائل والمذمات والفسوق والفجور، وبعض تلك الأعمال تتم بغرض التسلية والفضول وغيرها.
ثالثًا، قديمًا قال الحكماء من أمن العقاب أساء الأدب. ونحن هنا ونتيجة للقفزات الهائلة للتطورات التقنية التى تستخدم للتخريب الاجتماعى وليس التواصل، لم تعد التشريعات تلحق بمتابعة نواكب وكوارث ما ترتكبه فئات مارقة. والجرائم يقوم فاعلوها بارتكابها فى ثوانٍ، ولكن إثبات الجرم يحتاج لأيام وربما شهور، يكون المجنى عليه أو العفيف أو النقى والنزيه قد مات بالحسرة بعد أن صوره المجتمع على أنه فاجر أو ماجن أو آثم.