مصر ليست ليبيا فى عهد القذافى أو الصومال عقب سقوط سياد برى. التيارات السياسية التى تهدد بأن ينزل التابعون لها لحفظ الأمن فى الشارع هو بداية سقوط الدولة، مهما كانت التبريرات. الدولة ــ فى أبسط تعريفاتها ــ هى الأمن، النظام، وإزالة الخوف الجماعى من نفوس الناس. نعم وزارة الداخلية لها أخطاؤها، وربما خطاياها، لكنها تظل جهازا مهما، لا أحد يستطيع القول بأن غيابه أو تغييبه يجعل حياة المصريين أفضل. يكفى أن تنظر إلى تقاطعات الشوارع التى لا يوجد بها عسكرى المرور تجدها فى مشهد فوضوى بامتياز. المسألة مزدوجة. هناك من استغل «الثورة المصرية» التى قامت ضد الاستبداد فى إهانة وإضعاف معنويات الشرطة، وقد رأيت بنفسى مواطنين سفهاء يهينون شرطيا وأحيانا يعتدون عليه أثناء قيامه بعمله. وهناك من بين رجال الشرطة الذين اعتادوا على ممارسة الجبروت والقهر لا يريدون أن يكونوا تحت رقابة ومساءلة الشعب، ويرون أن مفتاح عودة الأمن إلى المجتمع هو استحضار سياسات العادلى.
الحل فى إعادة هيكلة وزارة الداخلية فى ظل سياسات واضحة وليس وفق الطريقة الغامضة التى ورد فيها اسم الدكتور محمد البلتاجى على خلفية حوار مع الباحث الأمريكى «إريك تريجر» المتخصص فى شئون الإخوان المسلمين، ونفاه الرجل بشده. يعنى ذلك حتمية وجود حوار سياسى معمق وشفاف، مدعما بمعلومات ووثائق حتى نتيقن من طبيعة ما يجرى فى أروقة إحدى الوزارات الرئيسية التى أغلقت الباب أمام مساعدات دول أوروبية لتطوير وتحديث الشرطة بدعوى أنها قادرة على ذلك، فما الذى قامت به طيلة أكثر من عامين من عمر ثورة يناير؟
بالتأكيد ليس الحل فى «اللجان الشعبية» التى يباركها وزير الأوقاف، وهى المسمى الموازى للمليشيات التى تبشر بها بعض التيارات الإسلامية، ويساندها ــ بقصد أو بدون قصد ــ النص الملتبس الذى ورد فى البيان الذى صدر عن المكتب الفنى للنائب العام الذى يدعو لتفعيل حق المواطنين فى ممارسة الضبطية القضائية، ولكن الحل الذى يحافظ على بقاء الدولة، كيانا ومعنى، هو أن تكون لديها قوات شرطة قادرة على حفظ الأمن وتطبيق القانون بمهنية وحرفية، ولا أحد يحول دون أن تقبض على بلطجى، القانون يمكنها من ذلك، لكن يجب ألا يكون ذلك على حساب حق المواطن فى التظاهر أو أن تكون مواجهة البلطجة رهنا بتجفيف حق المواطنين فى التعبير السلمى عن رأيهم الاحتجاجى. والسؤال الذى ينبغى أن نطرحه: لماذا فجأة انخفضت معنويات الشرطة، وأثاروا الإضراب والانسحاب فى عهد وزير الداخلية الحالى ولم يفعلوا ذلك فى عهد الوزير السابق الذى بدأ المواطن العادى يشعر بتحسن مستوى الأمن العام، وتوارى التوتر بين المواطن والشرطة فى عهده القصير. هل مصادفة أن من هاجم وزير الداخلية السابق، وتوعده بالإقالة هو من يلوح بالمليشيات الآن؟