المَجْمَع والنساء - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 27 ديسمبر 2024 12:00 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المَجْمَع والنساء

نشر فى : السبت 13 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 13 أبريل 2013 - 8:00 ص

قررت فى نهاية الشهر الماضى حضور جلسات المؤتمر السنوى لمَجْمَعِ اللغة العربية فور أن قرأت خبرا صحفيا عن بدء فعالياته. لم أكن قد زرت مقر المَجْمَعِ من قبل حين وصلت إلى العنوان توجهت نحو مكتب صغير وصفه لى الحارس كى أسجل اسمى وحين سألت المسئول أن يعطينى نسخة من برنامج المؤتمر طالعنى بشىء من التعجب ثم قام من مقعده مبتسما، ومتساءلا: باحثة أم طالبة أم صحفية؟، أجبته بأننى طبيبة فتجمد فى مكانه للحظات قبل أن يبتلع دهشته ليناولنى البرنامج.

 

قضيت فى المكان أياما أتابع الجلسات المفتوحة التى يُسمَحُ للجمهور العادى بمتابعتها وأتطلع بفضول إلى حضور الجلسات المغلقة دون أن أجد إليها سبيلا. كانت مواعيد الجلسات منتظمة على غير عادة المؤتمرات والتعقيبات مرتبة لا يقاطع أحد المتحدثين الآخر ولا يتكلم فى غير دوره، كل يلتزم بالوقت المخصص له ولا يتعداه إلا فيما ندر معتذرا عن الإطالة. أدركت مع نهاية المؤتمر، ورغم هذا النظام الدقيق، سبب اندهاش المسئول الذى التقيته فى اليوم الأول، فعلى مدى أسبوعين كاملين لم يكن فى القاعة من أشخاص سوى أعضاء المَجْمَع ذاته وربما صحفى أو اثنين على أقصى تقدير يمثلان الجمهور المتابع للحدث. لم أصادف وسط الحضور إلا عددا لا يكاد يُذكَرُ من النساء لم أستمع إلى محاضرة تلقيها امرأة ولم أر على المنصة باحثة ولم تَقُم واحدة من الحاضرات القليلات ــ شبه الدائمات فى القاعة ـــ بعمل مداخلة أو بالتعليق على ورقة من أوراق الباحثين الرجال. كان وجودى فى المكان غريبا.

 

اللغة على ما أعرف هى أحد مجالات تفوق المرأة، وتُظهِرَ الدراسات إن مراكز استقبال وإرسال اللغة لدى المرأة أقوى منها لدى الرجل وإنها لهذا الأمر أسرع فى تعلم القراءة والكتابة كما يسهل عليها تعلم لغات جديدة على العكس منه، وتشير بعض الدراسات المهمة إلى إن مخ المرأة يحتوى على روابط عصبية أكثر بمعدّل مرّتين ونصف من الرجل وتمنح هذه الروابط المرأة قدرة أكبر على استخدام اللغة وترجح كفتها فى عملية وصف الأشياء والتجارب التى تمر بها. رغم ما أثبته العلم لم يكن هناك وجود مؤثر أو حتى ملحوظ للنساء فى مَجْمَعِ اللغة العربية.

 

●●●

 

فكرت والحال هكذا، إن النساء ربما يكن أقل اهتماما من الرجال بهذا المجال، وإنهن عازفات عن دراسة اللغة العربية وعن البحث والتنقيب فى مناجمها، لأسباب لا تتعلق بالمهارة. ربما لأن السباحة فى بحور اللغة صارت أمرا باعثا على الملل أو قاصرا عن تحقيق الشعور بالإنجاز، وبالتالى بالرضاء والاكتفاء خاصة واللغة العربية والناطقين بها فى طور الضعف والأفول. فكرت أيضا أنه ربما يكون لأفكار ومفاهيم متعلقة بالأنوثة ومتطلباتها تأثير على استخدام النساء للغة وتعاملهم معها.

 

أدركت بالبحث والسؤال إن الإجابة عن أغلب ما طرحت من احتمالات هى لا، وإن ثمة جوانب خافية للأمر، فهناك عالمات لغويات مشهود لهن بالمهارة والكفاءة وبعضهن خبيرات مرموقات فى محافل علمية رصينة وقد اختيرت إحداهن ــ وهى الدكتور وفاء كامل ــ عضوا فى مَجْمَعِ اللغة العربية السورى بدمشق، وهو أقدم مَجْمَع رسمى فى المنطقة العربية، وكانت أيضا أول امرأة تعتلى منصة المَجْمَعِ المصرى وتُلقى بحثا دون أن تكون أو تصبح عضوا فيه.

 

عرفت أيضا إن أحد المَجْمَعِيِّين المصريين العتاد استقال منذ عامين تقريبا، وذكر فيما ذكر من أسباب لاستقالته؛ إن أعضاء المَجْمَع يعتقدون أن المرأة غير جديرة بالعمل فى مجالهم وإنهم رفضوا من قبل ضم باحثات ذوات شأن ومقدرة فى ساحة اللغة. حتى نهاية العام الماضى كانت النقاشات لا تزال جارية فى المَجْمَعِ حول إمكانية وجدوى ترشيح النساء لعضويته، ورغم اعتراف مقرر لجنة النهوض باللغة العربية ذاته بأن مصر بها الكثيرات ممن يمكن لهن أن يكن عضوات لم تنجح امرأة واحدة فى الانضمام.

 

●●●

 

أنشأ المجمع اللغوى المصرى عام 1932 بمرسوم من الملك فؤاد الأول، وسُمِّى «مَجْمَع اللغة العربية الملكى»، ولم تفرق لائحته بين الرجال والنساء وكانت ضمن أنشطته فى الخمسينيات تقريبا محاولة استحداث ألفاظ عربية فصيحة لتحل محل ألفاظ الحضارة الأجنبية الذائعة لكن الجهد الكبير الذى بُذِلَ باء بالفشل الجماهيرى ولم تلق ألفاظ المجمع المستحدثة رواجا بين الناس فانصرفوا عنها؛ وتذكر إحدى المقالات التى تناولت دور المجامع العربية كلمات من قبيل «أطم»، «طربال»، وهى كلمات كان يُرَاد لنا استخدامها بدلا مما نطلق عليه اليوم «ناطحات السحاب».

 

ذكرتنى تلك المقالة تحديدا، بما تشتهر به النساء بوجه عام من قدرة على المبارزة اللفظية وعلى استحداث وتطوير ألفاظ وتراكيب جديدة ولنتابع ــ بعيدا عن الأبحاث والدراسات ـــ تلك المقاطع اللغوية المذهلة التى تتراشق بها امرأتان فى حال الخصام؛ صحيح إنها تأتى فى صورة العامية لكنها تفصح عن مقدرة فذة فى استخدام اللغة؛ فهى تحمل تشبيهات واستعارات وكنايات مدهشة وترسم صورا بلاغية شديدة الإتقان. أما عن العربية الفصحى فقد كانت الخنساء أشعر شعراء العرب قاطبة ويذكر تاريخنا الحديث الأديبة سهير القلماوى كأول مصرية تنال مقعد الأستاذية، وتتولى رئاسة قسم اللغة العربية فى جامعة القاهرة، وكذلك تُرفَضُ عضويتُها من قِبَلِ أعضاء مَجْمَع اللغة العربية.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات