أربعة أهداف استراتيجية كبرى حققناها بدرجات متفاوتة من النجاح منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، ورغم أن هذه الأهداف تلقى بظلال لا تزال خافتة على جميع جوانب حياتنا، وتحفر لنفسها ببطء مكانا فى العقل السياسى المصرى، إلا أن هذه الأهداف كانت حاضرة بقوة فى العديد من المواقف السياسية المهمة طوال السنوات الثلاث الماضية، كان آخرها المشهد الانتخابى الراهن والساخن الذى يتنافس فيه كل من عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى على رئاسة الجمهورية..
ربما يكون أول هذه الأهداف وأهمها على الإطلاق، هو سقوط فكرة الفرعون الحاكم نصف الإله الذى لم نكن نستطيع أن نحاسبه بالمفاهيم الديمقراطية الحديثة، فنحن الآن نوقن بأننا لن نرى مرة أخرى رئيسا يحكم ويملك فى نفس الوقت، كما نعرف جيدا أن الزمان لن يبتلينا برئيس يعتبر نفسه حكيم الزمان أو الزعيم الملهم أو الخالد أو حتى المؤمن، يرى ما لا نراه ويفهم ما لا نفهمه، وكأنه يهدر وقته الثمين فى حكم شعب لا يستحق عبقرية رئيسه، فمع السقوط المدوى لرئيسين فى 3 سنوات، سقطت أسطورة، أو بالأحرى، أكذوبة الرئيس الفرعون..
أما ثانى هذه الأهداف فيتمثل فى الرفض الشعبى القاطع لفكرة الاستبداد المؤسسى الذى مارسته علينا الدولة ــ بنت الحاكم الفرعون ــ ربما على مدى تاريخنا كله، فلم يعد أحد فى مصر الآن يخاف من بطش الحكومة، ولا حتى من بعبع أمن الدولة، بعد أن اتسعت دائرة الوعى الشعبى الرافض للسلطة المستبدة، وإعطائها شيكا على بياض لتفعل بنا وفينا ما تشاء، مقابل حد أدنى من الحقوق والحريات الإنسانية، وهو ما عبرت عنه بوضوح المشاركة المتزايدة للمرأة والأقباط والمهمشين فى الشأن العام..
ويتبدى الهدف الثالث فى انهيار دولة وفكرة الفاشية الدينية التى ميزت حكم مافيا الإخوان، وهى المعركة التى حققنا فيها انتصارا ميدانيا كبيرا حتى الآن، رغم ما يلاقيه هذا الانتصار من عنف تؤجج نيرانه بؤر مسلحة تجد تأييدا من قطاعات شعبية هى فى عمومها الأكثر فقرا والأقل ثقافة ووعيا، وهو تأييد يتقلص حجمه بمرور الوقت. أما الهدف الرابع فهو ذلك الحضور الطاغى لمطلب العدالة الاجتماعية بين جموع المصريين بمختلف قواهم السياسية، والذى يتراوح ما بين رؤى إصلاحية حذرة فى التعامل مع هذا الملف الشائك، وبين رؤى ثورية تبحث عن تغيير هيكلى جذرى فى توزيع الثروة والسلطة فى المجتمع المصرى، دون أن يستقر على مرفأ بعينه حتى الآن..
قد لا تكون الطرق معبدة أمام هذه الأهداف لكى تصل إلى محطتها الأخيرة، وقد تلاقى ممانعة من أوساط لا تزال تمتلك سلطات تنفيذية بحكم مناصبها فى بعض المؤسسات الأمنية والاقتصادية بتحالفاتها مع دوائر الدولة العميقة، ومع شبكة أصحاب المصالح المرتبطة بالفلول، إلا أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، خاصة مع اتفاق مرشحى الرئاسة الاثنين ـ رغم الاختلافات الفكرية الجذرية بينهما ـ على هدم المعبد السياسى القديم ومواجهة كهنته، والتجاوب مع منجزات ثورتى يناير ويونيو الأربعة، بقدر أو بآخر..
ومع أننى أرى أن فرص فوز السيسى فى الانتخابات أوفر بكثير من فرص صباحى، إلا أن مدى تمسك كل منهما بهذه الأهداف الأربعة هو الذى سيحسم فوزه، وهو الذى سيحدد الميدان الصحيح لمعاركه السياسية، كما سيحدد له تحالفاته، وهو الذى سيضمن استقرار حكمه، ورضاء المصرين عن أدائه.
ما يعزز فرص السيسى للفوز هو نجاحه فى تعديل حركة مسار المؤسسة العسكرية كما ظهر بوضوح فى تجاوبها مع انتفاضة الشارع ضد مافيا الإخوان، بعد الانتقادات الحادة التى وجهت لها فى الأحداث التى تلت ثورة يناير، لتبقى فرص صباحى متعلقة بأمل ضعيف فى أخطاء كبرى يقع فيها منافسه!