ما أطاح بحلم «سلة الخبز» السودانية - مواقع عربية - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:09 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما أطاح بحلم «سلة الخبز» السودانية

نشر فى : الإثنين 13 مايو 2019 - 10:00 م | آخر تحديث : الإثنين 13 مايو 2019 - 10:00 م

نشر موقع السفير العربى مقالا للكاتب «السر سيد أحمد» يتحدث فيه عن الموارد الطبيعية الضخمة التى يتمتع بها السودان وعدم استغلال هذه الموارد بالشكل الأمثل، والمشروعات والاستثمارات العربية فى السودان ومدى نجاحها من عدمه.

على الرغم من انفصال جنوب السودان الذى حمل معه أكثر من ثلثى الاحتياطيات النفطية المعروفة فى السودان، وأكثر من 70 فى المائة من الغطاء الغابى فى البلاد، إلا أن مساحة الأراضى القابلة للزراعة لم تتضرر كثيرا، إذ كانت فى حدود 200 مليون فدان وتراجعت إلى 170 مليونا، مما يعنى أن أحد موارد البلاد الأساسية، المتمثل فى تلك الأراضى، لم يتأثر بالزلزال السياسى والاقتصادى الناجم عن الانفصال. كما أن هذه المساحة تمثل نحو 40 فى المائة من حجم الأراضى القابلة للزراعة فى المنطقة العربية. يبقى أن الأراضى المستغَلة فعلا فى السودان تتراوح بين 35 مليونا إلى 37 مليون فدان فقط، الأمر الذى يشير إلى حجم الموارد الكبيرة التى يمكن الاستفادة منها خاصة مع جوار سبع دول تُوفِّر كثافة سكانية ذات احتياجات متنامية للغذاء.

أدى غياب الرؤية والإرادة السياسية وتضارب القرارات إلى جعل الزراعة لا تحتل المكانة التى تستحقها فى هذا البلد الغنى بإمكانياته الطبيعية من أراضٍ ومياه. بل حتى أنه عندما توفرت الموارد المالية بسبب ارتفاع عائدات الإنتاج النفطى التى استمرت عقدا من الزمن، لم يتم استغلالها فى دعم القطاعين الزراعى والحيوانى اللذين تشير إليهما الدعاية الرسمية بأنهما «نفط السودان الدائم».

تراجُع الاهتمام بالقطاع الزراعى أدى إلى زيادة استيراد المواد الغذائية. ومن ناحية أخرى تراجعت عائدات البلاد من العملات الصعبة، إذ كان النفط المنتَج من الآبار فى جنوب السودان يذهب للتصدير ليغطى أكثر من 75 فى المائة من حجم تلك الإيرادات، وحوالى 45 فى المائة من حجم التمويل العام المتاح للدولة. وهكذا تزامنت ظاهرة نمو الواردات الغذائية مع شح فى العملات الصعبة من خلال فقدان نحو 300 مليون دولار شهريا كانت تُضخ فى الخزينة العامة من الصادرات النفطية، واستخدمت فى الإنفاق العسكرى بدلا من تخصيصها للقطاعات الإنتاجية خاصة الزراعية.

تقنين الأرض
خلال فترة الحرب العالمية الثانية انتبه البريطانيون إلى أهمية السودان لتوفير بعض المواد الغذائية لجنود الحلفاء الذين يواجهون قوات «المحور» وكانت إيطاليا تمثلهم فى الشرق. فركزوا على إنتاج الحبوب وتحديدا الذرة فى مزارع داخل مناطق القضارف شرق السودان، فيما عُرف بالزراعة المطرية على أن يتم إنهاء التجربة عقب انتهاء الحرب. لكن بعض المفتشين الزراعيين السودانيين ممن عملوا فى المنطقة وعرفوا امكانياتها الإنتاجية قرروا عشية الاستقلال فى عام 1955 الاستمرار فى استغلال المنطقة زراعيا وفتحها أمام الراغبين من رجال الأعمال، وهو ما يعتبر البذرة التى انطلقت منها فكرة الزراعة الآلية التى عضدها البنك الدولى فى سلسلة مشاريع قام بتمويلها فى السودان وتوسعت فى مناطق القضارف هذه كما اتجهت غربا إلى كردفان.

على أنه بمرور الوقت، وعبر عقود من الممارسات، اتضحت الجوانب السلبية للزراعة الآلية من خلال ظواهر تمثلت بصورة رئيسية فى أن عمليات التراخيص لحيازة الأراضى لتحويلها إلى مزارع كانت تلعب فيها الصلات الاجتماعية والسياسية دورا، وكانت الاستثمارات قصيرة أو متوسطة الأفق زمنيا، ويسعى خلالها المستثمرون إلى تحقيق أقصى عائد ربحى ممكن، والتحول إلى أراضٍ أخرى بعد أن يصيب الإجهاد منطقة الترخيص الأولى.

كما تعرضت بعض المجموعات السكانية المحلية إلى عمليات اقتلاع من الأراضى التى كانت تعتاش منها لتعطى إلى مستثمرين من خارج المنطقة، بسبب القوانين التى تتطلب وجود وثائق لإثبات الملكية، وعدم الاهتمام بالحقوق التقليدية للقبائل والمجتمعات المحلية، وضعف هذه الأخيرة اقتصاديا وعدم قدرة الكثيرين على دفع الرسوم الخاصة بالحيازة على أراضٍ، هذا بالإضافة إلى حق الدولة فى السيطرة على هذه الأراضى. وأصبح هذا الوضع أحد عوامل الاستقطاب للانضمام إلى «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التى بدأت التمرد فى جنوب البلاد، وتمكنت من فتح جبهة جديدة، خاصة فى منطقة جبال النوبة.

أسهمت هذه الممارسات فى إكساب قضية الأرض أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية، وساعدت على تظهير مقولة «صراع المركز والهامش»، مع تنامى التأثيرات السلبية لهذه الممارسات بيئيا، الأمر الذى ساعد على إفقار مجموعات أكبر من السكان ودفعهم للهجرة من الريف إلى المدينة. ويمكن الإشارة إلى أن منطقة جبال النوبة التى شكلت من ناحية إحدى مناطق نشاط الزراعة الآلية، أصبحت فى الوقت ذاته ومن ناحية ثانية، ميدانا خصبا لفتح جبهة ثانية للتمرد الذى بدأ فى جنوب السودان فى طبعته الثانية عام 1983 كما بلورها الراحل جون قرنق فى برنامجه المعنون «السودان الجديد».

ومع أن اتفاقية السلام المعروفة باسم «منتجع نيفاشا» الكينى التى أنهت فى عام 2005 الحرب الأهلية، كانت قد وضعت الأساس لتحول ديمقراطى، إلا أنها وفيما يتعلق بموضوع الأراضى لم تتناول حقوق السكان التقليدية وكيفية تطويرها عبر تقنين متفق عليه سياسيا وقانونيا. ومن الأشياء الملفتة للنظر أن مفوضية الأراضى التى نصت الاتفاقية على إنشائها لم تنشأ قط.

سلة الخبز
برزت أول فرصة حقيقية لاستغلال موارد السودان الطبيعية الضخمة إبِّان حكم الرئيس الأسبق جعفر النميرى فى مطلع السبعينيات، نتيجة لتطورات داخلية وأخرى خارجية. وكان على رأس التطورات الداخلية تخلى نظام النميرى وقتها عن السياسات اليسارية التى بدأها فى فاتحة عهده بعمليات التأميم والمصادرة، وأهم من ذلك توصله إلى اتفاق مع المتمردين فى جنوب السودان فى العام 1972 لينهى بذلك 16 عاما من الاقتتال الأهلى، الأمر الذى حقق للبلاد قدرا من الاستقرار، وهو ما تزامن مع تطورات خارجية أبرزها «حرب أكتوبر» بين العرب واسرائيل وما صحبها من حظر نفطى أسهم فى تعزيز الشعور القومى من ناحية، والاستفادة من الفوائض النفطية التى توفرت لتدوير جزء منها فى عمليات ذات بعد وطنى من ناحية أخرى. وكان أن تبلورت كل هذه الاتجاهات فى شعار «السودان سلة خبز العالم العربى»، حيث عملت الصناديق العربية على تمويل مشاريع عديدة فى مختلف المجالات، خاصة فى البنية الأساسية. ويعتبر مشروع «كنانة» لإنتاج السكر الذى مولته الدول العربية من خلال شراكات بين السودان والدول الخليجية، أنجح نموذج لهذا التوجه.

إن الحصيلة النهائية لفكرة تحويل السودان إلى سلة خبز العالم العربى تبدو متواضعة، إذ إن إجمالى المبالغ العربية التى تمّ استثمارها لم تزد كثيرا عن 800 مليون دولار وقتها، إلى جانب أن العديد من المؤسسات العربية التى عُهِد إليها تنفيذ هذه الاستراتيجية وجدت نفسها مكبلة بالكثير من القيود البيروقراطية والصراعات العربية ــ العربية، الأمر الذى دفعها إلى التركيز على وضع رءوس أموالها فى ودائع استثمارية نقدية تعود عليها بفائدة سريعة بدلا من ضخها فى مشاريع إنتاجية ذات مردود مشكوك فيه بسبب المدى الزمنى الأطول المطلوب لها، والكثير من العوائق.

وعلى الرغم من عدم توفر المعلومات بصورة دقيقة عن الاستثمارات العربية والخليجية تحديدا فى المجال الزراعى فى السودان. إلا أنه وفقا لأرقام رسمية، فإن إجمالى المشاريع المنفذة بين عامى 2000 ــ2010 بلغت 505 مشروعات لكن دون تفاصيل عن تأثير هذه المشاريع على الوضع الاقتصادى العام.

انتباه وجدل
من بين المشاريع التى أثارت الانتباه وقدرا من الجدل، مشروع أعالى نهرى «عطبرة» و«ستيت» الذى يقع على بعد 460 كيلومترا من العاصمة الخرطوم، ويغطى مساحات من ولايتى كسلا والقضارف تصل إلى مليون فدان، وتم تخصيصه للسعودية وذلك فى إطار استراتيجيتها للسيطرة مباشرةً على موارد طبيعية لتأمين بعض وارداتها الغذائية. التزمت الرياض باستثمار ما يزيد قليلا عن المليار دولار لبناء خزان بهدف تقليل الطمى المتراكم فى خزان «خشم القربة» الواقع على بعد 80 كيلومترا شمال المشروع، وتخزين المياه لصالح ولاية القضارف، وزيادة مساحة الرقعة الزراعية. واستغرق العمل فى السد حوالى سبع سنوات، وبدأ تشغيله فى عام 2017 بعد اكتمال طاقته التشغيلية البالغة 3.6 مليار متر مكعب.

وهناك أيضا مشروع «الراجحى» فى ولايتى نهر النيل والشمالية، ومشروع «أمطار» الإماراتية. حصل الأول على مساحة 300 ألف فدان عند منحنى النيل فى الولاية الشمالية، وكانت البداية بزراعة سبعة آلاف فدان قمح كتجربة لزراعة القمح، وحققت التجربة نجاحا ملحوظا بإنتاج نحو 30 جوالا للمشروع، وهو رقم قياسى مقارنة بالمعدلات السائدة فى السودان، التى كانت تتراوح بين 8 و10 جوالات.

أما مشروع شركة «أمطار» الإماراتية فقد أقام شراكة مع الحكومة السودانية بنسبة 60 فى المائة للإمارات، و40 فى المائة لحكومة السودان. وحصلت الشركة على ترخيص للعمل فى العام 2005 على مساحة 130 ألف فدان، تبدأ باستصلاح 20 ألف فدان من تلك الأراضى لزراعة وتصدير الأعلاف للإمارات بكميات تجاوزت 300 ألف طن سنويا.

ويلاحظ فى معظم هذه المشاريع الغياب الكامل للشفافية، وإلى جانب عدم الشفافية فإن معظم هذه المشاريع لم تتضمن نصوصا تلزم المستثمرين الأجانب بتوفير فرص العمل للسودانيين، أو تخصيص نسبة من الإنتاج للسوق المحلية عبر صيغ يُتفق عليها. كما تصاعد النقد لكثير من الممارسات مثل تركيز المستثمرين الخليجيين وبعض المحليين كذلك على زراعة مختلف أنواع العلف لتصديرهما وسرعة تحصيل العائد بالعملات الصعبة، وهو ما اعتبره العديد من المختصين بأنه تصدير لسلعة ثمينة هى الماء بينما كان بالإمكان تحقيق قيمة مضافة واستغلال هذا المورد المهم فى صناعات تحويلية تقام داخل البلاد، وتحقيق عائد أعلى من مبيعاتها.

النص الأصلى:

https://bit.ly/2vPENiL

التعليقات