لم يبالغ القيادى الإخوانى محمد البلتاجى كثيرا، حينما قال فى إحدى خطبة الغوغائية الأخيرة وسط معتصمى رابعة، إن الإخوان سيصمدون أمام هجوم الداخلية لفض اعتصامهم حتى لو قدموا نصف مليون شهيد، فى تأكيد جديد على إصرار الإخوان على عودة مرسى للرئاسة مرة أخرى!
كلام البلتاجى يؤكد بوضوح ان إستراتيجية الجماعة الآن تراهن على انه كلما زاد عدد قتلاهم فى أى عملية اقتحام لميدانى رابعة والنهضة، سوف تزداد ضغوط العام الغربى على السلطة الجديدة فى مصر ، وهو ما يعطى للإخوان الفرصة لتشويه صورة ثورة 30 يونيو، وتصويرها على انها انقلاب عسكرى دموى ، ويتيح لها توجيه اتهامات للفريق عبدالفتاح السيسى بارتكاب مذابح ضد المدنيين العزل ، وهو ما يمهد لهم الطريق لتحقيق أهدافهم بتدويل القضية المصرية، وقيام أمريكا بفرض قرارات عقابية على الحكومة المصرية فى مجلس الامن، ثم انشاء الجيش المصرى الحر على غرار الجيش السورى الحر، كما هددتنا من قبل قيادات إخوانية عديدة ــ يمكن مشاهدتها على مواقع الانترنت ــ لتندلع حرب أهلية تحملهم مرة أخرى وللأبد ،إلى عرش مصر!!
أصدقاء الإخوان فى واشنطن وعلى رأسهم السيناتور الصهيونى جون ماكين، كشفوا أسرار استراتيجية الإخوان بأسرع مما يتخيل الإخوان أنفسهم، حيث اطلق ماكين تصريحات نارية فى أمريكا بمجرد انتهاء زيارته للقاهرة ، وصف فيها ثورة يونيو بانها انقلاب عسكرى، وأن مصر سوف تشهد بحورا من الدم خلال أسابيع، كما اطلق زميله السيناتور ليندسى جراهام تصريحات مشابهة أعرب فيها عن دهشته من بقاء قادة مصر الشرعيين داخل السجون، وقادة الانقلاب فى الحكم، وهوسيناريو شيطانى ينفذه الرجلان بدقة لتمهيد الأرض فى واشنطن، لتنفيذ بقية الخطة الإخوانية بتحويل بلادنا إلى ساحة حرب، وهو نفس الدور الذى لعبه السيناتورماكين فى دعم الجيش السورى الحر، فى لقاءات جمعته مع بعض قياداته، وهى أيضا موثقة على مواقع الانترنت.
وفى مواجهة هذه الأسلحة الفاسدة التى استخدمها الإخوان فى حربهم ضد ثورة 30 يونيو ، استخدم قادتنا الحاليون وعلى رأسهم البرادعى والسيسى سياسات فاشلة، اكتفت ــ حتى الآن ــ بوضع الإخوان امام خيارين، إما فض اعتصامى رابعة والنهضة بالقوة ، أو موافقة الإخوان على المشاركة فى العملية السياسية، وقبولهم بمحاكمة بعض قياداتهم فى العديد من الاتهامات الموجهة إليهم سواء بالتجسس او التحريض على قتل المتظاهرين، لكن حتى هذه المحاكمات صاحبتها شائعات بانها تخضع لمفاوضات مع الإخوان لإلغائها مقابل فض اعتصاميهما، كما سمحت هذه السياسات الفاسدة ايضا لوفود دولية بزيارة الشاطر فى السجن للتباحث معه فى حل الأزمة فى مصر، وهو أمر لا يحدث إلا فى جمهوريات الموز ،للأسف الشديد!
مصالحة البرادعى مع الإخوان لم تتطرق إلى تفكيك بنية التنظيم السرية والذى حكم احد رجاله مصر، ولا إلى علاقته الغامضة بفروع الإخوان فى 88 دولة كما قال احد قادة الإخوان خلال حكم رئيس المعزول، وهو يصف أهمية المرشد العام للجماعة، ولم تتطرق مصالحة البرادعى أيضا إلى كشف ألغاز التنظيم المالية المتشعبة فى قارات العالم الخمس، ولا حاولت الاقتراب من فهم افكار المجموعة القطبية المسيطرة على التنظيم فى هذه المرحلة، وسعيها لإنشاء دولة الخلافة العابرة للقوميات، فقد اكتفت مصالحة البرادعى بمحاولة اقناع الاخوان بفض اعتصامى رابعة والنهضة، وكأن هذا وحده يكفى لإعادة الاستقرار للبلاد!
المطلوب مصالحة حقيقية، وليس مجرد «تبويس لحى»، وإلا فإن أسلحة الإخوان الفاسدة ، مع سياسات الحكومة البائسة، ستكون الوصفة السحرية لموجة عنف جديدة، ستؤخر بالتأكيد كشف هذه القداسة الدينية الزائفة عن جماعة الإخوان وسط قواعدها الجماهيرية المسلوبة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وتأسيس سلطة جديدة تحقق العدالة الاجتماعية الحقيقية فى مصر.