نشر موقع «على الطريق» مقالًا للكاتب «نصرى الصايغ».. نعرض منه ما يلى:
تونس لا تشبه لبنان. شعبها أطاح بالديكتاتورية. انتظمت العملية السياسية. الشعب مصدر السلطات. الشعب يحاسب. التجربة الديمقراطية تتقدم. السودان لا يشبه لبنان. شعب السودان أطاح بالديكتاتورية. شعب خرج إلى الشوارع. تضرَج بالدم ومارس البسالة. حقق نصف انتصار، وأمامه فرصة ديمقراطية صعبة. شعب السودان، ليتنا نقلده. الجزائر لا تشبه لبنان. أطاح بالديكتاتور وزمرته الفاسدة. إنه فى الشارع منذ ثلاثين أسبوعا. يريد دولة مدنية، وديمقراطية.
إلى آخره من الأمثلة. شعب لبنان لا يشبه ما يسمى بالشعب. هو شعوب فاخرة الملبس والمأكل والمشرب. يتباهى اللبنانى بأنه متقدم جدا، وحضارى جدا، فى محيط متخلف. هذا كذب ورياء وادعاء. أكثرية الشعب اللبنانى الساحقة تشبه الطبقة السياسية. هذه الطبقة. لديها قطعان تلد قطعانا من الموالين لعصابات النهب والسرقة. هذه الأكثرية، لا يحق لها أن توجه أىَّ لوم أو نقد أو محاسبة لهؤلاء الحكام، الكبار والصغار، وفى كل المؤسسات والإدارات. الفساد اللبنانى دين شعبى. هذه الأكثرية فاسدة، تنتخب قيادات تشبهها. هنا الناس على دين ملوكها. وملوكها ممهورون بالفساد. أما الأقلية الصامتة، فلا يُسمع لإقدامها وقبضاتها أى صوت فى الشارع. إنها أقلية خاسرة.
لا يحق لمن هم تحت، من الشعوب الخائرة، أن تفاخر بالديمقراطية التوافقية أبدا. الديمقراطية التوافقية لا تشبه أبدا الديمقراطية الديموغرافية. ذئاب تعوى فى مواجهة ذئاب تعوى أكثر. هذه «ديمقراطية» الافتئات والاحتكار والانتهاز. يكفى أن علتها تفضحها. لا مساءلة أبدا فى الديمقراطية التوافقية. خذوا هذا الدليل، لا وجود لأى سارق وناهب وفاسد، بين الآلاف الفاسدة، خلف القضبان.
الفساد نظام معمَم. التحت يشبه الفوق. خذوا البلديات وانتخابات المخاتير. تركيبة المجلس البلدى، «توافقية»، تشبه التنصيب الوزارى. لكل طائفة حصة. وفى البلدات، لكل طائفة حصة، ولكل عائلة حصة، ولكل تيار حصة. إنه النموذج نفسه. وتندفع أصوات المقترعين للمجالس البلدية، بالزخم الطائفى والعائلى والعشائرى، تماما كما يحصل فى تأليف الوزارات، وفى توزيع التعيينات، وفى احتكارات الغنائم. «الشعوب» اللبنانية، تشبه قادتها. إنها «شعوب» فاسدة، وتحاضر فى العفاف، وترفع الصوت غاضبة، بسبب فساد الشريك الطائفى، وليس بسبب فساد فريقه الطائفى.
جوابا عن السؤال، لماذا الشارع اللبنانى صامت، إلا من أصوات خافتة، قليلة الأعداد، شحيحة الإقامة؟ لماذا لا نشبه شعوبا أخرى، تراقب وتحاسب وتعاقب وتنتخب بحرية؟ لأن كل واحد من القطعان الطائفية، شريك فى الفساد، أو يقدم الولاء لزعيمه الفاسد على العدالة والقانون.
المجموعات المدنية التى تتحرك، إيقاعها غير مسموع. ترفع مطالب، أكبر منها بكثير. تطالب بالتغيير. عبث. هذا الشعار صعب التحقيق، إن لم يكن مستحيلا. تطالب بالإصلاح والمحاسبة والشفافية. هذا فوق طاقتها. المشكلة اللبنانية ضخمة جدا. ثقيلة جدا. الفساد والإفساد محروسان. شفاؤه الكاذب بالمحاصصة.
ماذا تستطيع هذه الفئة القليلة والنبيلة؟ أكاد أقول لا شىء. إنها صوت صارخ فى البرية. تبرئ ذمتها. حسنا. لكنها صوت بلا صدى. ضعفها، بسبب شلليتها وحصريتها وتفتتها. لا جامع مشتركا بينها. الشارع يفضح هذه القلة. فى السودان عشرات الألوف. اقفلوا الطرق فى معظم المدن والمقاطعات. فى السودان قوى معارضة متآلفة. احتلت الشارع ولم تخرج منه. بيروت فقيرة جدا. ليس فى شوارعها سوى اكتظاظ المركبات والدراجات. المشاة الغاضبون مقيمون فى بيوتهم ومكاتبهم، ويكيلون النقد الصحيح، الذى لا يترجم بنقضٍ تعبر عنه أقدام راسخة فى طول الشارع وعرضه ولعدة أيام وأسابيع، وقادرة على الصبر ومقدامة، ولا تخشى القمع أبدا.
لا.
بيروت ليست الجزائر.
بيروت ليست تونس.
لبنان ليس السودان.
إذا ماذا؟
الجواب فى عهدة الأقلية المستقيلة، أو الاقليات المكتفية بصوتها.
علينا أن ننتظر كثيرا. البلد على حافة الانهيار، وقادة الانهيار، أكثرية موصوفة ومؤيدة من «شعوبها». لا خوف عليها. إنما، كل الخوف منها.
الجواب عن السؤال ممكن، عندما تصير القبضات بديلا عن الكلام والسباب واليأس.
النص الأصلى:من هنا