منذ عدة أيام وتحديدًا فى الأول من أكتوبر، كان اليوم العالمى للمسنين أو كبار السن. وفى مصر ووفقًا لبيانات2021 الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك 6.8 مليون مسن، بواقع 6.7% من إجمالى عدد السكان. والمسن هو كل من بلغ الستين عامًا. وهؤلاء هم من يجب أن تشملهم الدولة والمجتمع بالرعاية والمساعدة، فهم أصل وجذر كل من هم أقل منهم سنًا، ممن هم على قيد الحياة. ومن ثم فإن هذه الفئة وبهذا المعنى هم مسئولون مسئولية مباشرة من الدولة والمجتمع.
وقد أورد دستور 2012 المعدل عام 2014 فى المادة 83 منه نصًا خاصًا عن المسنين بالتأكيد على أنه «تلتزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وترفيهيا وتوفير معاش مناسب يكفل لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة. وتراعى الدولة فى تخطيطها للمرافق العامة احتياجات المسنين، كما تشجع منظمات المجتمع المدنى على المشاركة فى رعاية المسنين. وذلك كله على النحو الذى ينظمه القانون».
وقد صدر قانون حماية المسنين بالفعل منذ عدة أسابيع، وستصدر خلال أسابيع قليلة لائحته التنفيذية له، والتى يتوقع أن تنظم كافة الأمور التفصيلية المتصلة بحقوق تلك الفئة المهمة فى المجتمع.
على أنه ومن داعى الخبرة السابقة فى مثل هذه الأمور، فإن التنفيذ على الأرض يبقى هو المحك الرئيسى الذى يفوق النصوص المتصلة سواء بالقانون أو اللائحة المزمعة. وقد قامت الدولة بالمزيد من الأمور التى كرَّست فى الماضى القريب رعاية ذوى الهمم، ورعاية المرأة، لكن فئة المسنين لم تنل بعد الاهتمام الكافى، خاصة أنها الأكثر أهمية، لكونها تضم الفئتين الأخيرتين وتزيد، ناهيك على أنه حال تقدم العمر، فإننا جميعًا مقبلون عليها شئنا أو أبينا.
ما يزيد من أهمية تلك الفئة أنها فى تزايد مستمر، فهى اليوم تشكل نحو 6.7% من المجتمع المصرى، ووفقًا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإنه من المتوقع أن تزيد تلك الفئة لتصل إلى 17% من المجتمع بحلول عام 2052. وهذا أمر طبيعى يرتبط بالارتفاع المتواصل للعمر المتوقع عند الميلاد، الذى كان عام 2020 نحو 73.9 عام، ارتفع إلى 74.3 عام فى 2021، وهذا الأمر يرتبط بالمزيد من الرعاية الصحية المتوقعة كلما تطورت الحياة. وبالطبع فإن هذا العمر يرتفع فى البلدان الغربية، ليس فقط بسبب انخفاض معدل الخصوبة والمواليد بها، بل وأيضا بسبب ارتفاع معدلات الرعاية الصحية أكثر من البلدان النامية.
ولعل أبرز المؤشرات الإحصائية التى أتى بها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن نسبة المسنين وفقًا لبيانات 2020 هى الأعلى بين العاملين فى مجالى الزراعة والصيد، وأن نسبة الأميين فى فئة المسنين تصل إلى 55.1%، وأن عدد العاملين من المسنين تصل إلى مليون نسمة بنسبة لا تتجاوز 14.3%. وفى كل تلك النسب السابقة، فإن عدد الإناث المسنين هى الأكبر، وهو أمر متوقع طالما أن عددهم فى مجتمع المتعلمين عامة هو الأقل. وبالتأكيد وكما أن نسبة الرعاية الصحية للمصريين فى الحضر تفوق الريف، وأن نسبة تلك الرعاية فى الوجه البحرى تفوق القبلى، فإن عدد المسنين فى الحضر أو فى الوجه البحرى هم الأكبر.
ويبقى إشراك المسنين فى الحياة العامة هو المحك الرئيسى للحد من أية أعراض صحية أو تداعيات اجتماعية لهم. فالشعور بالكبر والتهميش هو أول الطريق لكثرة شكاوى المسنين، وكثرة شكاوى مرافقيهم من أوضاعهم. وبالعكس فإن اختلاط المسنين الدائم فى الحياة العامة، والعيش داخل البيئة التى تربوا فيها، واندماج الأصغر سنًا منهم معهم دون النفور منهم أو التنمر منهم، كلها عوامل مهمة لمنع أى تداعيات للسن. هنا نستحضر أقوال بعض المتخصصين، فالعلامة الموسوعى الراحل د. مصطفى محمود يوصى كبار السن أن يدركوا أن أجسادهم ما هى إلا وعاء لأرواحهم. أى أن إحساس المتقاعدين بدنو الأجل هو أول طريق المرض. والدكتور الراحل صبحى ربيع أستاذ المخ والأعصاب يرى أن هناك علاقة عكسية بين صحة المخ والتفكير المتواصل، فهو يرى أنك إذا أجهدت مخك تمتعت بالصحة والعافية لفترة أطول، وإن أرحته بعدم التفكير والاستكانة والجلوس وعدم التريض والركون أمام التلفاز وعدم الكلام وعدم القيام بإجراء الحسابات والرياضيات، فأنت معرض لأمراض كبار السن بشكل مبكر. أما د. هالة سويد أستاذ طب المسنين، فتوصى بالدمج الشامل والحركة المستمرة للمسن، والعمل الدءوب، وترى أن فرص الرجال فى ذلك أقل من السيدات، لأن السيدات ينشغلن بالعمل فى المنزل بعد التقاعد... وللحديث بقية.