الامتياز الخاص - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:17 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الامتياز الخاص

نشر فى : الأربعاء 13 نوفمبر 2013 - 7:25 ص | آخر تحديث : الأربعاء 13 نوفمبر 2013 - 7:25 ص

التحدى الرئيسى الذى يواجه جهود بناء نظام سياسى ديمقراطى فى أعقاب ثورة 25 يناير إلى الآن هو تفكك المجتمع إلى كيانات تسعى إلى الحصول على امتيازات أو مكانة أو حصانة. هذا هو المشهد الحالى الذى نراه فى لجنة الخمسين، ورأيناه فى السابق فى لجنة المائة، ويبدو أنه أصبح نمطا فى السياسة المصرية الحالية أن تضع كل مؤسسة من مؤسسات الدولة أو كل كيان اجتماعى ما يناسبه فى الدستور، مما يؤثر حتما على الرؤية العامة لما يجب أن تكون عليه البلاد، ويجعل من الدولة كيانات مبعثرة، لديها شىء من الاستقلالية، ليس بقدرتها على المبادرة، ولكن من خلال التنظيم الذاتى المفرط لشئونها.

التفكك فى الواقع هو تركة الاستبداد. فى دراسة لباحثة من رومانيا حول حال جهاز الدولة عقب سقوط حكم نيكولاى تشاوتشيسكو (1918 ــ 1989) خلصت إلى ملاحظة ذكية مفادها أن الاستبداد جعل مؤسسات الدولة مقيدة، غير قادرة على المبادأة، تعمل فى ضوء الأوامر العليا، وظلت على تفككها، وضعفها، وغياب قدرتها على الفعل فى ظل النظام السياسى الذى خلف الحكم الشيوعى. السبب ليس فى الديمقراطية، ولكن فى الاستبداد. نفس الملاحظة رأيناها فى روسيا فى ظل حكم الرئيس بوريس يلتسن، قبل أن يمسك الرئيس فلاديمير بوتين بزمام الدولة الروسية.

الاستبداد ينتج التفكك، والسبب يعود إلى أن الأنظمة المستبدة ــ المكتملة أو الجزئية ــ تمارس الاستبداد من خلال تفكيك عرى ومؤسسات المجتمع: جهات إدارية تواجه بعضها بعضا، سلطة تنفيذية فى مواجهة سلطة تشريعية، ونظام حاكم فى مواجهة نقابات وحركات سياسية وأحزاب، وقوى سياسية فى مواجهة بعضها البعض، ويصل الأمر إلى أن تكون هناك مواجهات معلنة، أو على الأقل حروب باردة بين أجهزة الدولة الأمنية ذاتها. كل ذلك يجعل من الانكفاء على الشأن المؤسسى الخاص مسألة أساسية، وتتقلص إلى حد بعيد أسس العمل الجماعى، ويسود الترصد المتبادل. كانت هذه إلى حد ما صورة الدولة فى أواخر عهد مبارك، لكنها بالتأكيد بلغت ذروتها فى عهد مرسى عندما رأينا المواجهات بين مؤسسات الدولة على أشدها، وغاب حياء المواجهة بين المؤسسات العامة الذى اعتدنا عليه فى السابق.

هذه تركة الاستبداد التى ما زلنا لم نبرحها. بالتأكيد لم تشهد مصر استبداد تشاوتشيسكو فى رومانيا أو سلوبودان ميلوسوفيتش فى صربيا أو بينوشيه فى شيلى، لكن لديها مخاوفها الخاصة.

من دلالات ذلك أن مؤسسات الدولة، وقوى المجتمع، والأطراف الفاعلة تريد أن تضمن لها وضعا خاصا فى الدستور، وهو ما يجعل العملية فى النهاية أقرب إلى اتفاقية «عدم اعتداء» بين مؤسسات وكيانات، أكثر من كونها وثيقة تنظم الدولة على أسس ديمقراطية، وفصل بين السلطات، واخضاع كل مؤسسات الدولة للمساءلة. أعرف أن فترة رئاسة محمد مرسى أشعلت الكثير من المخاوف، خاصة بعد صدور الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012م، بشأن إمكانية ظهور طبعة استبدادية أكثر شراسة من نظام مبارك. ولكن يجب ألا يكون الرد على مخاوف الاستبداد بالخروج بوثيقة دستورية تعطى ما يشبه الاستقلال الذاتى لمؤسسات فى الدولة إلى حد المطالبة بحصانة للوزراء.

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات