أعرفك حين تمارس سُلطة - سامح فوزي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 6:49 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أعرفك حين تمارس سُلطة

نشر فى : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 13 ديسمبر 2022 - 8:20 م

قال الرئيس الأمريكى إبراهام لينكون يوما «إذا أردت اختبار معدن رجل امنحه سلطة»، ولم يكن هو وحده الذى تحدث عن ذلك، بل سبقه إلى نفس المعنى تقريبا شارل لوى دى سيكوندا المعروف باسم مونتسيكو حين قال «إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل فضع السلطة فى يده ثم انظر كيف يتصرف».
بالفعل تكشف ممارسة السلطة الناس، ما يمتلكون من رؤية وقدرات ونزاهة، وما يعانون من هشاشة وضعف وفساد. وتعنى السلطة ــ فى معناها الواسع ــ رأس مال بشرى فى مواقع قيادية، من هنا نفهم مقولة فرنسيس فوكوياما بأن الذى بنى اليابان بعد الحرب العالمية الثانية ليس المال، ولكن نوعية القيادات التى تولت المؤسسات العامة.
ويحتاج من يتولى موقعا قياديا، أو تكون له سلطة اتخاذ قرار، أن يمتلك رؤية، ونظرة إلى المستقبل، ولا يكون من نوعية القيادات متوسطى المواهب والإمكانيات، الذين لا يشغلهم سوى تسيير الأمور، وليس الابتكار أو التطلع إلى المستقبل.
بالتأكيد هناك فرق بين شخص فى الظل، أو مرءوس لشخص آخر، وبين شخص يمارس سلطة، وتتجمع حوله الاضواء. أعرف أشخاصا تبدل حالهم، واختلف مسلكهم إلى النقيض حين انتقلوا من الهامش إلى المركز، وصاروا أصحاب قرار، حيث ظهرت عليهم أعراض السلطوية، والاستبداد بالرأى، وتجاهل الآخرين، بما فى ذلك أقرب الناس إليهم الذين كانوا يوما رفاقا معهم فى العمل.
وهناك أشخاص أظهروا نفسية هشة، مرتبكة، مرتعشة، غير قادرة على اتخاذ قرار، حسبما تتطلب المواقع القيادية، فأحاطوا أنفسهم بشلة أو زمرة منتفعين، مما أدى فى النهاية إلى أن يكونوا مجرد واجهة لسلطة يمارسها غيرهم، وتحولوا إلى سلطة توقيع قرارات تخدم مصالح فئة خاصة دون صالح العمل.
وهناك من يدير بالدسائس والوقيعة وتقليب الناس على بعضهم بعضا، بهدف أن يظل محورا للجميع، تصب عنده كل الحكايات والقصص والروايات، والتى عادة ما تكون خاصة، شخصية، هامشية، تافهة لا ترتبط بإنجاز العمل، أو تحقيق غاياته.
وهناك من يعتريه الخيلاء، وكبرياء الموقع، ويستدعى من داخله مخزون ذكريات التهميش الكئيبة والشعور بالنقص فى الطفولة والشباب، وتظهر العقد المدفونة فى ممارسته السلطة على مرءوسيه، مما يجعل من القيادة تعويضا مشوها لنفسية مريضة.
وهناك من يمضى فى طريق الفساد، أو يعتبر وجوده فى موقع قيادى فرصة ينبغى استثمارها، حيث عاش حبيس نزاهة الخوف، وهو ما يسميه الكاتب اللبنانى كوستى بندلى «الخوف من الفضيحة، وليس الخوف من الرذيلة»، وعندما جاءت فرصته فى تبوؤ موقع قيادى ظهرت عليه النوازع السلبية، واتجه إلى تعويض ما ظن أنه فاته، وعادة يقع هؤلاء فى شباك الفساد، وتنطبق عليهم مقولة الفنان والناقد العالمى برنارد شو «السلطة لا تفسد الرجال، إنما الأغبياء، إن وُضعوا فى السلطة، فإنهم يفسدونها».
الإشكالية الحقيقية أن هذه النوعية من الأشخاص إذا تولوا مواقع قيادية فإنهم يحولون مؤسساتهم إلى أبنية جوفاء طاردة لأصحاب الكفاءات، وبمرور الوقت تشيخ، وتهرم، وتفقد حيويتها، وتترهل إداريا، وتتحول إلى شكل دون مضمون، أو صورة بلا معنى. وكم من مؤسسات، عامة وخاصة وأهلية، تراجعت بشدة نتيجة تغير قياداتها، وهناك نماذج لأبناء أهدروا ما بناه آباؤهم من صروح اقتصادية نتيجة سوء الإدارة، وضعف تكوينهم الشخصى، وانقيادهم للآخرين.
بالتأكيد لم يخطئ المفكرون الذين جعلوا من ممارسة السلطة أيا كانت مرآة كاشفة لنفسية الناس، ماضيهم وأفكارهم ومشاعرهم، وعنوانا على قدرتهم على ممارسة العمل، والأهم تفسير لماذا تنهض مؤسسات، ولماذا تهوى أخرى؟

سامح فوزي  كاتب وناشط مدني
التعليقات