عندما وضع الُمشرع الحبس الاحتياطى، كإجراء من إجراءات التحقيق غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائى من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقق لتيسير استجوابه أو مواجهته كلما استدعى التحقيق ذلك، ضَمن الُمشرع فى قانون الإجراءات مجموعة من الشروط التى إذا توافر أحدها وجب على جهة التحقيق حبس المتهم احتياطيا.
وفقا للمادة 134 من قانون الإجراءات يشترط لحبس المتهم احتياطيا، أن يكون قُبض عليه فى حالة تلبس، أو للحيلولة دون هروبه أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجنى عليه، وكذلك وقاية المتهم من احتمالات الانتقام منه، وتوقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة.
ولأن الحبس الاحتياطى، عمليا هو عقوبة مقيدة لحرية متهم قد تظهر براءته فى نهاية التحقيقات أو أمام المحكمة، ولأن المتهم برىء إلى أن تثبت إدانته بحكم نهائى، فمن المفترض ألا يتم التوسع فى هذا الإجراء الذى يدمر حياة آلاف الأسر بسبب غياب عائلها، خاصة إذا كان المتهم محبوسا فى قضايا رأى.
خلال الأعوام القليلة الماضية توسعت جهات التحقيق فى إصدار قرارت حبس احتياطى لسياسيين وصحفيين وأصحاب رأى مخالف للحكومة.
يدخل هؤلاء نفق الحبس الاحتياطى ولا يعرف أحد متى يخرجون، فلا جهات التحقيق تصدر قرارها بإحالة المتهمين إلى المحكمة المختصة، ولا تحفظ التحقيق لعدم وجود أدلة سوى مذكرة التحريات التى تواترت أحكام محكمة النقض على أنها لا تصلح وحدها لأن تكون دليلا أساسيا على ثبوت التهمة، ولا هى أيضا تخلى سبيل المتهمين على ذمة التحقيق بأى ضمان باعتبارهم شخصيات معروفة ولهم محل إقامة أو عمل معلوم وبالتالى لا يخشى هروبهم أو تأثيرهم على الأدلة إن وجدت.
نتيجة للتوسع فى قرارت الحبس الاحتياطى، اكتظت السجون بالمتهمين من أصحاب الرأى الذين لا يعلم أحد متى سيخلى سبيلهم، خاصة إذا وضعنا فى الحسبان أنه بعد انقضاء فترة الحبس الاحتياطى تعاد الكرة ويحبس البعض على ذمة قضية جديدة بتهم جديدة.
لن نطالب المشرع بإعادة النظر فى قانون الإجراءات ووضع قيود على الحبس الاحتياطى، حتى لا يستخدم كعقوبة سالبة للحرية كما يجرى الآن، كل ما نطالب به هو أن تنظر النيابة العامة بعين الاعتبار إلى المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا رأى، فى ظل تفشى وباء الكورونا الذى لم يتم التوصل إلى دواء له حتى هذه اللحظة، وينتشر فى الأماكن المغلقة، فما بالك بزنازين لا تتعدى مساحتها 10 أمتار مربعة.
فى إيران التى تلاحقها اتهامات دولية بعدم احترام حقوق الإنسان وحرية الرأى والتعبير، قررت سلطاتها الأسبوع الماضى إخلاء سبيل جميع السجناء مؤقتا لحين السيطرة على الوباء، وتكرر الأمر فى دول أخرى تضع حقوق الإنسان على أولوية أجندتها، أما فى مصر وبدلا من اتخاذ إجراء مماثل قررت وزارة الداخلية منع الزيارات عن المسجونين «حرصا على الصحة العامة وسلامة النزلاء».
بالطبع الإجراء الذى اتخذته «الداخلية» بمنع الزيارة يزيد من الطين بلة، فالزيارة بالنسبة للمسجون دواء ووجبة ساخنة قد تحول بينه وبين إصابته بهذا الفيروس الذى لا يصيب سوى أصحاب المناعة الضعيفة.
أخيرا، أنقل إلى أصحاب القرار، دعوات أهالى المحبوسين احتياطيا من معارضين سياسيين وأصحاب الرأى، بإخلاء سبيل ذويهم مع تعهدهم بالمثول أمام جهات التحقيق إذا طلب منهم ذلك حتى لا نجد أنفسنا أمام كارثة محققة، حينها لن نلوم سوى من تسبب فى إصدار قرارات الحبس الاحتياطى لمواطنين لم يثبت ارتكابهم أى جرم حتي الان.