ناقشت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضى فى جلستها الطارئة الـ 11 مسألة عضوية روسيا فى مجلس حقوق الإنسان، وقررت (وكانت النية مبيتة) تعليق عضوية روسيا فى المجلس بالقرار، وذلك بأغلبية 93 صوتًا، ومعارضة 24 وامتناع 58 دولة عن التصويت.
وقد أحسنت مصر صنعًا بالامتناع عن التصويت على القرار، وكان الأفضل لها أن ترفضه، وذلك كله ضمن الأغلبية الكاسحة للدول العربية التى رفضت أو امتنعت عن التصويت.
عقب القرار نشرت وزارة الخارجية أسباب الموقف المصرى؛ حيث رأت منذ البداية أنها لم تعتبر مشروع القرار متصلا بأزمة أوكرانيا، أو بمبدأ عدم جواز اللجوء إلى القوة المسلحة أو المساس بسيادة الدول، وإنما باعتباره مرتبطا بالتوجه نحو تسييس أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. وأشارت إلى رفضها المبدئى لهذا التوجه، لما ينطوى عليه من إهدار للغرض الذى أنشئت من أجله المنظمة، وما يقود إليه ذلك من دحض لمصداقيتها والعمل الدولى متعدد الأطراف.
وأشار البيان المصرى إلى أن مصر تعتبر طرح مشروع القرار يمثل منعطفا خطيرا فى مسار الأمم المتحدة على مدى عمرها، لأن احترام المنظمة لميثاقها ونظام عملها عزز من اعتماد المجتمع الدولى عليها من أجل ترسيخ منظومة العمل الدولى، استنادا إلى قواعد وآليات تحتكم إليها لحسن إدارة العلاقات الدولية والحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وهو ما يُعد مهددا بالموافقة على مشروع القرار.
وحذر البيان من أن إقرار مشروع القرار يعد إهدارا لآليات المنظمة التى طالما كانت محل ثقة أعضاء المجتمع الدولى، ومؤشرا ينذر ببدء اهتزاز مصداقية الأمم المتحدة، وهو الأمر الذى سيكون له تداعيات بالغة الأثر على قدرتها على الاضطلاع بمسئولياتها.
وهكذا اتسم البيان والموقف المصرى بسياسة واضحة، راعت مصالح مصر ومواقفها المبدئية، وكان هذا الموقف انعكاسًا لعديد الأمور.
الأمر الأول، أن مصر ترفض بشكل كامل انتهاكات حقوق الإنسان التى تقع من كافة النظم على الشعوب، وذلك من منطلق حتمية احترام تلك الحقوق، ورغم أن ملف مصر فى هذا المجال، لا يمكن اعتباره نقيًا من التجاوزات، إلا أن المبدأ والتوجه العام هو رفض انتهاكات حريات الشعوب.
الأمر الثانى، إن إدارة البلدان الغربية للأزمة بين روسيا وأوكرانيا، إنما يشير منذ البداية لإمعان تلك البلدان عامة والولايات المتحدة خاصة، لتوريط روسيا فى حرب طويلة، تفرض خلالها عقوبات كبيرة على روسيا، وهو ما تحقق. بل إن العقوبات لم تميز بين المعتدى والمعتدى عليه، كما طالت من فرض العقوبات، ومن ليس له ناقة ولا جمل فى العدوان مثل الكثير من البلدان النامية، ومنها مصر.
الأمر الثالث، إن مجلس حقوق الإنسان على وجه التحديد كثيرًا ما تلاعبت به البلدان الغربية، والولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الخصوص، إذ إن البلدان العربية كثيرًا ما واجهت مواقف متعنتة داخله، من قبل تلك البلدان عندما كانت تطرح مسائل انتهاكات ترتبط باعتداءات صهيونية بربرية على أصحاب الأرض من الفلسطينيين والعرب. وقد ألمح بيان وزارة الخارجية المصرية لذلك بإشارته إلى أن عدم ارتياح مصر البالغ إزاء استمرار المعايير المزدوجة والكيل بأكثر من مكيال، لأنه (حسب البيان) كم من المرات تم الاكتفاء بقرارات أقل حسما وأكثر تساهلا إزاء انتهاكات لحقوق الإنسان واضحة فى ماض ليس بالبعيد.
الأمر الرابع، أن مصر رغم معارضتها وإدانتها للعدوان الروسى على أوكرانيا فى المحافل الدولية، إلا أن روسيا تعتبر مصر من الدول الصديقة. فمصر لديها مصالح مع روسيا، لا يمكن لها أن تخسرها بسبب محاولات اللعب والتوظيف لمؤسسات المنظمة الدولية. جدير بالذكر أن لمصر مصالح كبيرة مع روسيا تتعلق ليس فقط بالسياحة، بل بحركة التجارة التى تعتمد على التبادل التجارى وعلى رأسها واردات القمح التى وصلت حسب بيانات وزارة الزراعة الأمريكية خلال الفترة من يوليو 2020 إلى يونيو 2021 إلى 8,96 مليون طن، وهى استيراد قام به القطاع الخاص وهيئة السلع التموينية. وقد تعاقدت مصر قبل الحرب مباشرة وبعد الحرب على أكثر من صفقة مع روسيا، وقامت بسداد الثمن بالروبل، وذلك من عوائد واردات روسيا من مصر وغيرها.
الأمر الخامس، إن العقوبات الدولية الكبيرة المفروضة على روسيا من قبل أغلبية الدول الغربية ليست ذات غطاء دولى كى تعيد مصر من خلالها التفكير بالتعامل مع روسيا، فهى عقوبات مفروضة خارج إطار الأمم المتحدة، ولن تكون غير ذلك بسبب الحاجة لتمريرها عبر مجلس الأمن.