نشر موقع 180 مقالا للكاتب محمد صالح صدقيان، تناول فيه سلسلة من المؤشرات الدالة على صحة التسريبات التى أوردتها مصادر صحفية أمريكية وإيرانية بقيام الطرف الأمريكى والإيرانى بالتفاوض حول الملف النووى ورفع العقوبات ضد طهران، ذلك رغم إنكار الجانبين الإيرانى والأمريكى بشكل رسمى عدم مصداقية هذه التسريبات.. نعرض من المقال ما يلى.
لم تؤكد لا طهران ولا واشنطن المعلومات التى أوردتها مصادر صحفية أمريكية وإيرانية بشأن مفاوضات أمريكية إيرانية لتسوية المشاكل العالقة بين الجانبين وصولا إلى إبرام «اتفاق مؤقت»؛ إلا أن ردة فعل الجانب الإسرائيلى «الانفعالية» على هذه المعلومات تشى بأن شيئا ما قد تحرك على صعيد الملف النووى.
وبعيدا عن صحة هذه التسريبات من عدمها، فإنها تتحدث عن لقاءات متعددة حصلت بين سعيد ايروانى، مندوب إيران لدی منظمة الأمم المتحدة، وروبرت مالى، مسئول الملف الإيرانى فى الإدارة الأمريكية، تم خلالها التفاهم علی «اتفاق مؤقت» يتيح لإيران بيع النفط بمعدل مليون و200 ألف برميل يوميا والإفراج عن ودائع مالية إيرانية محتجزة، بينها 2.76 مليار دولار وافق العراق على دفعها لإيران، بعد الحصول على إعفاءات من العقوبات الأمريكية، كل ذلك مقابل تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم المرتفعة التى تصل إلی 60 بالمائة. وتمضى التسريبات فى القول إن الاتفاق بين واشنطن وطهران بات جاهزا.. وهو الآن علی طاولة قيادتى البلدين!
من الجانب الأمريكى، نفت وزارة الخارجية هذه التسريبات، كما أن الجانب الإيرانى رأی أن هذه المعلومات غير دقيقة ولا تمتلك المصداقية الكافية، لكن معلومات إيرانية غير رسمية تشير إلى دخول سلطنة عمان ودولة قطر على خط فتح قناة دبلوماسية للحوار بين طهران وواشنطن، خصوصا أن سعيد ايروانى كان قد قاد المباحثات مع الجانب السعودى فى بغداد، فى حقبة مصطفى الكاظمى، كما أنه كان معاونا لأمين مجلس الأمن القومى الإيرانى قبل أن يتحمل مسئولية رئاسة البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة؛ فى الوقت الذى ذكر موقع «اكسيوس» الأمريكى أن مسئولين أمريكيين أجروا محادثات غير مباشرة مع إيرانيين فى عُمان للتوصل إلى تفاهم بشأن برنامج إيران النووى حيث نقلت مصادر إيرانية أن كبير المفاوضين الإيرانيين على باقرى كنى قد شارك فى هذه المباحثات.
وما يدعم صحة هذه التسريبات سلسلة مؤشرات حدثت منذ الزيارة المهمة التى قام بها سلطان عُمان هيثم بن طارق إلى طهران فى بداية شهر يونيو الجارى، أبرزها تنفيذ صفقة تبادل معتقلين بين طهران والدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة، بعدما كانت مجمدة منذ العام 2022.
أما المؤشر الثانى فيتعلق بالحديث عن الإفراج عن الودائع الإيرانية المحتجزة فى العراق وكوريا الجنوبية واليابان إضافة إلی صندوق النقد الدولى والتى تبلغ 24 مليار دولار ودخول البنك المركزى العُمانى علی خط هذه الصفقة لترتيب صرف هذه الودائع فى الاعتمادات الإيرانية المفتوحة لشراء الغذاء والدواء.
المؤشر الثالث يتمثل بقيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتسوية مشاكلها مع طهران استنادا إلی «خارطة طريق» وُضعت بين الجانبين فى الوقت الذى قال عضو الوفد الإيرانى المفاوض محمد مرندى إن إيران لن توقع علی أى قرار من دون تسوية كافة المشاكل العالقة مع الوكالة الدولية، الأمر الذى أعطی انطباعا علی وجود «شىء ما» قد يُفضى إلى «اتفاق مؤقت» أو إعادة إحياء الاتفاق النووى الموقع عام 2015.
المؤشر الرابع هو الاتصال المطول الذى أجراه الرئيسان الفرنسى إيمانويل ماكرون والإيرانى إبراهيم رئيسى لمدة تسعين دقيقة وأكدا خلاله على تعزيز التواصل والتفاعل الثنائى وخاصة فى ما يتعلق برفع العقوبات والتطورات الإقليمية، حسب المسئول الإيرانى محمد جمشيدى.
ويقول مصدر دبلوماسى أوروبى فى طهران إنه ثمة متغيرات جديدة فى العلاقة الأمريكية الإيرانية وهناك جهد غربى تقوده واشنطن للتقرب من طهران خصوصا بعد العثور علی عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة 83 بالمائة، وهى نسبة قريبة جدا من عتبة صناعة القنبلة النووية؛ إضافة إلی اقتراب طهران بشكل كبير من موسكو؛ والتقدم الحاصل فى المنظومة الصاروخية الإيرانية؛ ناهيك عن التعاون الروسى الإيرانى فى المجال العسكرى والذى سيتيح لإيران الحصول علی طائرات «سوخوى ــ 35» الروسية فى القريب العاجل، كما تتحدث المصادر الإيرانية.
مثل هذه المتغيرات ــ يضيف الدبلوماسى الأوروبى ــ مقلقة للدول الغربية وتحديدا واشنطن التى تريد ضبط الطموحات النووية الإيرانية ولجم التقارب الإيرانى الروسى خصوصا فى المجال العسكرى.
أما ما يخص التعاون بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد نجح الجانبان فى تسوية نقطتين من أربع نقاط عالقة بينهما. فقد استطاعت إيران إقناع الوكالة بالظروف التى أدت إلی وجود عينات فيها يورانيوم مخصب بنسبة 83 بالمائة، وهى قضية فنية طبيعية لا تدل علی امتلاك إيران لهذه النسبة من التخصيب؛ كما أن إيران أقنعت الوكالة بأن موقع «إبادة» فى مدينة مريوان لا يشهد أى نشاط نووى فى الوقت الراهن؛ فى الوقت الذى يعمل الجانبان لمعالجة القضايا المتعلقة بموقعين آخرين هما موقع «تور قوز أباد» و«ورامين» فى ضواحى طهران. هذه الخطوات هدفها خلق مناخ من الثقة المتبادلة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفى هذا الإطار؛ لا يمكن نفى وجود نشاط دبلوماسى إيرانى أمريكى علی الرغم من نفى العاصمتين الإيرانية والأمريكية، لكن السؤال الأبرز إلى ماذا يهدف هذا النشاط؟ هل لصفقة تبادل معتقلين؟ أم لتنفيذ صفقة الإفراج عن الودائع الإيرانية المجمدة؟ أم أنه ثمة محاولة جدية للتوصل إلى اتفاق سواء أكان دائما أم مؤقتا؟.
الإجابة عن هذه الأسئلة وإن كانت صعبة نظرا لحساسية وأهمية العلاقة بين واشنطن وطهران والمواضيع المطروحة بينهما، إلا أنها لا تمنع من الإجابة بـ«نعم» علی معظم هذه الأسئلة استنادا إلى المؤشرات المتوافرة.. وإن غدا لناظره قريب.
النص الأصلى