عاجلاً أم آجلاً.. ستنتهى حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة، خصوصا بعد التجاوب المبدئى لحركة حماس مع المقترح الأمريكى الأخير لوقف إطلاق النار، والذى أيده مجلس الأمن الدولى، لكن تبقى «أم المشكلات» عالقة من دون حل حتى الآن، وهى تحديد ملامح اليوم التالى فى القطاع.
منذ بدء العدوان الصهيونى على غزة فى الثامن من أكتوبر الماضى، والذى أسفر عن استشهاد أكثر من 37 ألف فلسطينى وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والتدمير شبه الكامل لكل مظاهر الحياة فى القطاع، تحاول تل أبيب رسم سيناريوهات مختلفة لليوم التالى للحرب، منها الاحتلال العسكرى المباشر لغزة، أو تمكين طرف فلسطينى، غير سلطة رام الله، من إدارة القطاع ودعمها بالمال والسلاح، أو نشر قوة متعددة الجنسيات فى غزة بعد الحرب، لكنها لم تصل بعد لتصور محدد فى هذا الشأن. واشنطن المعنية أيضا بتحديد ملامح اليوم التالى فى غزة، باعتبارها شريكة أساسية فى العدوان الصهيونى عسكريا وماليا ودبلوماسيا، تسعى إلى وضع تصور محدد عنوانه العريض «عدم وجود دور لحركة حماس فى مستقبل غزة»، وهو ما ظهر جليا فى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن خلال زيارته الأخيرة للمنطقة، والتى قال فيها إن «بلاده ستطرح خلال الأسابيع المقبلة أفكارا لكيفية الحكم فى غزة بعد انتهاء الحرب»، مشيرا إلى أنه «لن يسمح لحماس بتقرير مصير ومستقبل هذه المنطقة».
صحيفة بوليتيكو الأمريكية، كشفت عن ملامح التصور الأمريكى لليوم التالى للحرب، حيث ذكرت يوم الأربعاء الماضى، أن «إدارة الرئيس الأمريكى جو بايدن تخطط لإنشاء قوة متعددة الجنسيات فى القطاع بعد انتهاء الحرب، ويكون أساس تلك القوة من القوات العربية»، مشيرة إلى أن «بايدن يرفض وجود قوات أمريكية داخل غزة ضمن مقترح القوة متعددة الجنسيات».
دول الاتحاد الأوروبى اهتمت كذلك بملامح اليوم التالى للحرب، وتداولت أفكارا منذ شهور، تتمحور حول تشكيل تحالف دولى يدير غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة، تكون مهمته «تفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع وتجفيف منابع دعم حركة حماس ماليا وسياسيا».
فى المقابل، تؤكد حركة حماس أن «اليوم التالى للحرب سيكون يوما فلسطينيا نقرر فيه واقعنا ومستقبلنا»، وفقا لتصريحات أدلى بها أسامة حمدان، القيادى فى الحركة، الأسبوع الماضى. أما الفصائل الفلسطينية، فعبرت عن موقفها من هذه القضية فى بيان أصدرته بمناسبة الاحتفال بيوم الأرض الفلسطينى فى مارس الماضى، قالت فيه إن «حديث قادة الاحتلال حول تشكيل قوة دولية أو عربية لقطاع غزة وهم وسراب.. وإن أى قوة تدخل لقطاع غزة مرفوضة وغير مقبولة وهى قوة احتلالية، وسنتعامل معها وفق هذا التوصيف»!.
اللافت هنا غياب موقف عربى موحد، تجاه السيناريوهات المطروحة لليوم التالى للحرب، حيث يوجد انقسام واضح بين الدول العربية بشأن رؤيتها لمستقبل غزة، إذ لا يمانع البعض، وفق تقارير صحفية أمريكية وأوروبية، دراسة المشاركة فى قوة متعددة الجنسيات، لسد الفراغ الذى سينشأ فى السلطة بالقطاع بعد صمت أصوات المدافع والطائرات وخمود نيران الحرب، شرط أن يكون هناك توجه حقيقى نحو تطبيق حل الدولتين، فيما يتحفظ البعض الآخر على الفكرة، خشية أن تفسر بأنه تواطؤ ودعم وتأمين للمحتل الصهيونى، وبالتالى تكون قواته عرضة للخطر من جانب المقاومين الفلسطينيين.
بلاشك أن استمرار غياب موقف عربى موحد تجاه هذه القضية المصيرية، غير مقبول على الإطلاق، ويترتب عليه مخاطر حقيقية قد تؤثر على مستقبل وشكل المنطقة، وبالتالى يجب على الدول العربية المؤثرة الدخول فى مناقشات جادة لوضع السيناريوهات الخاصة باليوم التالى للحرب، بما يضمن الحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وفق قرارات الشرعية الدولية.
كذلك لابد من تدخل عربى جاد لترتيب البيت الفلسطينى من الداخل، والتقريب بين حركتى فتح وحماس، والدفع باتجاه إعادة بناء منظمة التحرير لتشمل كافة الفصائل، والعمل على المساعدة فى توحيد المؤسسات الفلسطينية بالضفة والقطاع، وإجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية، حتى يكون هناك كيان فلسطينى جامع يستطيع فرض سيطرته على غزة فى اليوم التالى للحرب، ومنع أى سيناريوهات قد تجهض حلم الفلسطينيين فى التحرر من قبضة المحتل الصهيونى.