مرتان شاهدت هذا المشهد لاثنين من رجال الأعمال فى سنوات سابقة وفيهما عظة وعبرة ودروس نحتاجها اليوم بشدة حين نبدأ مشروعا عملاقا واستراتيجيا مثل مشروع قناة السويس الثانية ومحور تنميتها.
المشهد الأول جرى عندما كان هناك اجتماع فى مكتب محافظ بورسعيد الأسبق ــ رحمه الله ــ مع بعض رجال الأعمال لمناقشة مشاركتهم فى المشروع العملاق شرق التفريعة وإذا برجال الأعمال الذين حضروا الاجتماع «يمسكوا فى بعض وهات يا خناق» وكان سبب اشتعال المعركة هو من منهم الذى سيأخذ من الأرض تلك المساحة التى تطل على القناة وكأنهم سوف يقومون ببناء فيللات وشاليهات وليس مصانع ومخازن.
وفى تلك اللحظة انفعل أحدهم بشدة وخرج من الاجتماع متعصبا ومغاضبا صائحا: أنا نازل مصر أتصرف وشوفوا هاعمل إيه... يا آخد حتة الأرض اللى على البحر يا مفيش.
وليس خافيا ما يعكسه هذا المشهد من سلوك لبعض رجال الأعمال من حرص على الصالح الشخصى وتحقيق مكاسب على حساب الصالح العام
هذه رسالة للجميع.
المشهد الثانى شهدته إحدى قاعات الاجتماعات بمجلس الوزراء وقت رئاسة الجنزورى حيث اجتمع مع بعض رجال الأعمال لتحفيزهم على المشاركة فى المشروعات ومن بينها مثلا مشروع شمال غرب السويس وغيره وأمام هذه الرغبة الحكومية ولتقديم تسهيلات لهم تم تيسير حصولهم على قروض بالمليارات من البنوك وكان هناك بالطبع من سال لعابه أمام أموال البنوك وهذه الإغراءات، خاصة أن الجهاز المصرفى آنذاك كان ضعيفا وبعيدا عن الوسائل والأساليب الحديثة فى الإدارة المصرفية حتى ان جهة الرقابة عليه وهى البنك المركزى لم تكن لديه من الأدوات والأساليب الحديثة ما تمكنه من إحكام السيطرة على أعمال البنوك والرقابة عليها وخاصة منح الائتمان ومن هنا نفذ بعض رجال الأعمال بسهولة إلى خزائن البنوك وشهدت مصر عمليات واسعة فى نهب أموال البنوك دون ضمانات وعودة إلى المشهد الثانى وما جرى فى الإجتماع حيث خرج منه أحد رجال الأعمال ــ رحمه الله ــ مغاضبا صائحا: أنا مش عايز فلوس.. حاعمل بيها إيه.. والمليارات دى عشان إيه؟
وهذه أيضا رسالة ثانية إلى الجميع..
يطل علينا هذان المشهدان على ذاكرتنا بإلحاح أمام ما يحدث الان فى محاولة لترويض الدولة للعودة إلى ما مضى بكل اخطائه التى ورثناها من الممارسات السيئة لرجال الأعمال وذلك حين يعلن أحدهم عن تبرعه بمليار جنيه لإنشاء مشروع للشباب فى قناة السويس ويعلن غيره عن جمع رجاله لبحث المشاركة فى المشروع ويعلن آخر عن إنشاء مشروعات وشقق ولكن بعد ان تعطيه الدولة الأرض مجانا ومنهم من أعلن عن تبرعه بإنشاء جامعة جديدة تماثل الشكل الحالى لجامعة القاهرة وهكذا تتوالى علينا مثل هذه النماذج فى مهرجان للمزايدات فإذا كانت لديهم تلك القدرات المالية الضخمة فلماذا لا يرخصون أسعار منتجاتهم؟ ولماذا لا يبادرون بتبوؤ المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال بحق؟
ولكن يبدو أن البعض لايزال غائبا عن الوعى ويعيش الماضى غير مدركين أنه انتهى زمن ولوج رأس المال للحكم والتمازج البغيض بين رجال الأعمال ومؤسسات الدولة ولايزال البعض ونحن على أبواب انتخابات برلمانية يرمى بياضه أملا فى إعادة إنتاج الفيلم الأسود القديم والعودة إلى الوراء غير مصدقين أن البلد تغيرت ولا مكان فيها للمزايدات السياسية الرخيصة وان البلد محتاج «رجالة» أعمال.