انا من الاشخاص الذين يتعاملون مع الكاتب والرسام حسن الحلوجى، كشخص مجنون.
حسن الذى يعمل باحثا بمسرح العرائس خريج قسم دراما من اكاديمية الفنون لكنه لم يكتب مسلسلات أبدا، حيث قرر أن يكتب لمزاجه ويرسم أحيانا وربما ينتج الكتب التى يؤلفها لاشباع هذا المزاج وهو عندى آخر صنف فى سلالة المبدعين الزاهدين الذين لا ينتظرون شيئا من وراء الكتابة، لانهم ينشدون المتعة ولا شىء غيرها.
عرفت الحلوجى من موقعى كقارئ قبل ان أراه بعد أن قرأت كتابين له هما: «أخضر بحواجب» و«تسعيناتى»، ولفت نظرى فى حواراته معى هذا الهدوء الذى يخفى قلقا بالغا اضافة إلى حس عميق بالايمان يظهره كمتصوف أعطى ظهره للعالم.
وعلى الصعيد الفنى تميزت اعماله دائما بفضل الطريقة التى يفكر بها فهو أقرب من حيث التصنيف لتيار «الفن المعاصر» حيث يستند كل عمل له على فكرة فلسفية تحتاج لمهارات فى التفسير والتأويل، ومع ذلك فأفكاره بسيطة وعابرة، لكنه يكسبها دوما حضورا ممتدا وعميقا بفضل طريقة المعالجة التى تلفت نظرنا لمخاطر الفناء.
والحلوجى بهذا المعنى كاتب وفنان مشغول بمقاومة الفناء ولديه الرغبة فى تخليد كل ما هو عابر والتمسك بأثره ومن حسن حظه ان فى حياته مجنونا اخر هو محمد علام مؤسس مبادرة «مدرار» وهى مبادرة معنية بتوثيق حركة الفن التشكيلى فى مصر ولذلك اعتنى بانتاج وتقديم مؤلفات الحلوجى وبدا معا بانتاج كتاب «تسعيناتى» الذى كان ظهوره حدثا اخراجيا على الاقل لأنه اظهر الكتاب الشبيه بشريط «الفيديو» الذى يلخص مرحلة التسعينيات كأفضل ما يكون والعام الماضى اصدر كتابا خاليا من أى شىء سوى غلافه عنوانه «مات الكلام» يبدد أسطورة الكتابة ذاتها رغم انه نال جائزة من معرض الكتاب عن كتاب اخر هو كتاب الممنوعات كانت تكريما لمسيرة لم يشعر بها الا قبيلته من المغامرين.
ومن يتابع الحلوجى يعرف انشغاله بالحياة اليومية فهو من الداعين لتأسيس متحف معنى بهذا الامر، وكتب مقالا مهما بهذا المعنى ليس دفاعا عن الطابع الاستهلاكى لمفردات حياتنا وانما مقاومة لاختفاء علاماتها وهو مشروع يغاير مشروع المتحف الاثنوجرافى الذى لا يعد يهتم به أحد.
وخلال الاسبوع الماضى أهدانى أحدث مؤلفاته وهو كتاب: «جهاز جلب الحبيب» الذى لفت نظرى لغرابة اخراجه وطبيعة محتواه الذى يقدم سردية بسيطة عن الاحتفال بالافراح المصرية، توازن بين عملية التوثيق والتخييل انطلاقا من شرائط فيديو ضمن مشروع سعى لانجازه معه محمد علام ونجحا فى جمع ما يقارب 400 فيديو من اسواق روبابيكيا مختلفة واستطاعا معا تفريغها ضمن نصوص تركيبية مدهشة فى قدرتها على ايقاظ الماضى فى أقصى لحظات البهجة. فضلا عن «انسنة الوسائط» ومنحها حضورا لا يمكن الافلات منه، وعبر نصوص ابداعية قصيرة يمنح الحلوجى للشريط حق الاعلان عن صوته فيما عاشه من احداث لنجد انفسنا أمام زمن درامى مصاحب للصور ومتعدد الاصوات.
نجح الحلوجى فى انتاج كتاب لا يمكن ان تقرأه الا تحت سطوة الحاجة لتناوله كفيلم وثائقى واستطاع تشييد عمران استثنائى يتسم بالرشاقة، وفى نفس الوقت خلق ما يمكن ان اسميه «شعرية التوثيق» حيث القدرة على النظر للماضى بعين لا ترى فى الغبار الا معطى شعرى و تفهم ان للالوان الباهتة مجاز كاشف عن زمن ربما تستطيع القفز داخله وتبتل بأشجانه كاملة مكملة.