عمليات إجلاء السكان.. أسلوب جديد للجيش الإسرائيلى فى غزة - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 2:40 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عمليات إجلاء السكان.. أسلوب جديد للجيش الإسرائيلى فى غزة

نشر فى : الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 9:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 14 أغسطس 2024 - 9:00 م

يستخدم الجيش الإسرائيلى فى الشهر الأخير أسلوبًا جديدًا: أى مكان فى غزة تُطلق منه صواريخ، يصله بعد مرور ساعات أمر بإجلاء السكان. وفى ظل استمرار القصف المتقطع من أغلبية مناطق القطاع (باستثناء المنطقة الإنسانية)، فإن معظم هذه المناطق هى اليوم عرضة لأوامر الإخلاء. وما من شىء يدفع «حماس» إلى الجنون أكثر من عمليات إجلاء السكان. لكن فى شمال القطاع فقط، لا يجرى إجلاء السكان الذين تستخدمهم «حماس» «دروعًا بشرية»، مثلما حدث يوم السبت الماضى، عندما تعرضت قيادة «حماس» للقصف فى مدرسة فى حى درج التفاح.

إن مفتاح انتصار إسرائيل على «حماس» موجود هناك، فى شمال القطاع، وليس فى رفح، أو خان يونس. وهذا هو السبب الرئيسى لـمطالبة «حماس» بعودة مليون نازح إلى منازلهم فى المدينة خلال المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين.
فى 1 يوليو، أُطلق 20 صاروخًا من منطقة خان يونس على مستوطنات جنوبى «غلاف غزة». بعدها فورًا، أصدر الجيش أمرًا غير مسبوق، من حيث الحجم، بإجلاء ربع مليون من سكان خان يونس، الذين عادوا إلى منازلهم منذ أشهر فقط، هؤلاء جمعوا أمتعتهم، وغادروا بسرعة فى قوافل اتجهت غربًا، إلى المنطقة الإنسانية.
لكنهم فوجئوا بأن الجيش الإسرائيلى لم يحتل المنطقة مجددًا، بل اكتفى بإطلاق القذائف المدفعية. بعد مرور أيام، بدأ السكان بالعودة إلى المنطقة، وفهموا أن الإخلاء كان أداة لنقل رسالة: مَن يسمح بإطلاق الصواريخ، سيتم إخلاء منزله. بعد أسابيع، تكرر الأسلوب عينه: أصدر الجيش أمرًا بإخلاء منطقة كبيرة تقع بين محور كتسوفيم وبلدة القرارة، وحتى الجنوب الشرقى من خان يونس. السكان الذين أصبح لديهم خبرة فى الأمر، عندما يسمعون أصوات الحرب، يسارعون إلى مغادرة المنطقة. فى الأيام الأخيرة، كرر الجيش استخدام المعادلة: بعد إطلاق 4 صواريخ على كيسوفيم، أُعلن إخلاء جديد، وهذه المرة، استُهدف حى حمد (الذى بناه أمير قطر)، شمال غربى خان يونس.
النزوح أسوأ من الحرب بألف مرة
يشكو الغزيون من الإخلاء فى وسائل التواصل الاجتماعى من دون توقف؛ سامر، من سكان غزة، كتب فى حسابه فى إنستجرام أن «النزوح أسوأ بألف مرة من الحرب. لقد توقفنا عن التفكير فى العودة، وفى نهاية الحرب. كل ما نريده الآن، البقاء فى مكان واحد، من دون فوضى، ومن دون إذلال، ومن دون نزوح من مكان إلى آخر. أرى الناس يبكون ويتساءلون: إلى أين نذهب؟».
مَن تابع ما يُنشر فى مواقع التواصل فى غزة الشهر الماضى، يمكنه أن يلاحظ ظاهرة قلّل الجيش الإسرائيلى من أهميتها فى بياناته ومنشوراته، وهى أنه خلال شهر ونصف الشهر، عمل الجيش بصورة أساسية فى شمال غزة. ومما لا شك فيه أنه فى ظل أحداث مهمة، مثل اغتيال محمد الضيف، والعمليتين فى بيروت وطهران، من الصعب الانتباه إلى هذه الظاهرة التى تتطلب متابعة يومية منتظمة: تتحدث تقارير كثيرة فى مواقع التواصل الغزية عن أن حجم القصف الإسرائيلى فى شمال غزة هو أكبر كثيرًا من سائر المناطق. وفى الواقع، دارت معارك يومية فى مدينة غزة طوال شهر، وخصوصًا فى حى تل الهوا وصبرا، حيث اكتُشف نفق كبير بالقرب من مركز للأونروا، وأيضًا فى مناطق أُخرى من المدينة. وعلى ما يبدو، قُتل عدد من قياديى «حماس» جرّاء القصف، بينهم روحى مشتهى، صديق السنوار الذى شاركه الزنزانة فى السجن فى إسرائيل. ولا يمرّ يوم من دون قصف على حى الزيتون، الذى أمل الجيش الإسرائيلى، قبل نصف سنة، بالبدء بتجربة إقامة حُكم محلى ــ مستقل فيه، من دون «حماس».
فى الأسبوع الماضى، قصف الجيش حى الشيخ رضوان والمدرسة التى كانت تُستخدم كمركز إيواء، لكنها عمليًا، استُخدمت «مركزًا» لقيادة المقاومة. وكان بين عشرات القتلى قائد كتيبة بيت حانون، الذى نزح من حى الشيخ رضوان برفقة عدد كبير من «مقاومة» جباليا القريبة، الذين هربوا منها عندما كانت الفرقة 98 تعمل هناك.
طوال الأشهر الأخيرة، تدور بين الجيش وبين «حماس» لعبة القط والفأر، الشبيهة بلعبة الكراسى الموسيقية: تتمركز القوات الإسرائيلية فى حى معين خلال كل عملية توغُّل؛ مرة فى جباليا، ومرة أُخرى فى حى الزيتون، أو الشجاعية، وأحيانًا فى بيت حانون، ومجددًا فى حى الزيتون. ويُصدر الجيش أوامر بإجلاء سكان الحى، وأحيانًا، يطلب منهم، علنًا، التوجه جنوبًا إلى محور نتساريم، لكنهم لا ينصاعون للأوامر. الغزيون يسمّونه «صمودًا»، فهم يصرّون على البقاء فى المدينة. وتُظهر صور النزوح الجماعى من الحى السكان، وهم يسيرون مع أعضاء «حماس»، الموزّعين فى وسطهم، جنبًا إلى جنب، وينتقلون إلى حى آخر لا يعمل الجيش الإسرائيلى فيه، وبعد بضعة أيام، يعودون إلى الحى الأصلى الذى دمرته الحرب، ويقيمون فيه موقعًا جديدًا. وبهذه الطريقة أصبح حى الشيخ رضوان مركزًا لـ«حماس» فى غزة، بعد إخلاء الشجاعية.
مرة واحدة فقط، قبل شهر تحديدًا، تخوفت «حماس» من أن يؤدى تنفيذ الجيش الإسرائيلى عمليات كبيرة فى مدينة غزة، إلى خضوع جزء من سكان المدينة وإجبارهم على الرحيل جنوبًا.. على الفور، أطلقت «حماس» حملة دعائية فى مواقع التواصل الاجتماعى، عنوانها هاشتاج #مش طالعين، نشرته فى تويتر [منصة إكس] وتيليجرام.. حققت الحملة نجاحًا مذهلًا: فى الأسبوع الأخير، ازداد إطلاق الصواريخ من قطاع غزة (فى الأساس من بيت حانون) على «مستوطنات الغلاف»: سديروت ونير عام وزيكيم وأشكلون. وحاول الجيش إصدار أوامر بالإخلاء، لكنه اعترف أمام المراسلين العسكريين بأن هذه الأوامر لم تُنفّذ، ولم ينزح أحد. عاد الجيش وأمر سكان بيت حانون بالمغادرة، وهذه المرة مع خريطة تدلهم على كيفية التحرك جنوبًا، لكن الحديث الداخلى لسكان بيت حانون فى قناة تيليجرام كان واضحًا: عدم مغادرة المدينة؛ لا تنزحوا، # مش طالعين.
الحرب على الوعى وصفقة المخطوفين
الصمود فى مدينة غزة هو فى مركز الحرب على الوعى، الدائرة بين الجيش الإسرائيلى وبين «حماس».. تصرّ «حماس» على عودة سكان غزة إلى المدينة خلال المرحلة الأولى من صفقة المخطوفين. وهى تدرك أن مليون مواطن سيعودون إلى مدينة غزة فور البدء بصفقة المخطوفين، وسيكون بينهم أيضًا آلاف «المقاتلين» وعناصر من سلطة «حماس»، الموجودين فى جنوب القطاع حاليًا. أمّا السلاح والصواريخ فيمكنها الحصول عليها من الأماكن السرية التى لم يعثر عليها الجيش فى المدينة.
هذه هى الحرب الحقيقية التى تدور فى قطاع غزة حاليًا: «حماس» تنجح فى إحكام قبضتها، ويجب أن نكون أكثر تشددًا مع السكان الذين يُستخدمون «دروعًا بشرية» لسلطة «حماس» التى لا تزال فاعلة فى المدينة. وحده إجلاء ربع مليون شخص من شمال القطاع إلى جنوبى محور نتساريم سيشكل المنعطف المطلوب للضغط على السنوار من أجل استعادة المخطوفين، ولكى ننتزع من يد «حماس» السلاح الاستراتيجى القائم على استخدام مئات الآلاف من الناس «دروعًا بشرية».

إيال عوفير
قناة N12
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات