للتذكرة، ففى عام 2019 أصدرت الحكومة قانونا للتصالح فى مخالفات البناء واستمرت فى تلقى طلبات التصالح حتى مارس 2021، وكان الهدف من هذا القانون إغلاق باب المخالفات والبدء فى تطبيق قواعد أكثر صرامة فى البناء، بعد تقنين أوضاع المخالفات السابقة عند سداد الغرامات التى حددها القانون لذلك، وبالتالى يستطيع صاحب الوحدة المخالفة إدخال المرافق بصورة قانونية، كما يهدف القانون إلى استخدام 60 % من حصيلة التصالح لصالح المشروعات التنموية ومشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب بالمحافظات و39% لخزينة الدولة، و1% إثابة للعاملين، وقد بلغت حصيلة جدية التصالح وفقا لبيان وزير التنمية المحلية 16,8 مليار جنيه فى يناير 2021.
ويرتبط نجاح أى قانون بمدى تحقيقه لأهدافه، وهل ساعد على تحسين أوضاع المواطنين فى مجاله، ويلاحظ أنه رغم مرور حوالى سنتين على تطبيق هذا القانون، فما زالت المشاكل قائمة بل قد تكون تزايدت، بالإضافة إلى أن تطبيق القانون قد أدى إلى صور عديدة من الفساد الذى يهدف القانون إلى القضاء عليه، ومن ذلك مثلا:
1ــ رغم أن القانون قد حدد فترة زمنية للانتهاء من إجراءات التصالح، إلا أنه فى اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب فى يوليو 2021 صرح رئيس قطاع الأمانة العامة بوزارة التنمية المحلية بأنه تم الانتهاء من 74 ألف طلب من إجمالى طلبات التصالح 2,8 مليون طلب، وأضاف أن اللجنة تفحص نحو 40 طلبا للتصالح فى مخالفات البناء فى الشهر وبهذا المعدل هناك محافظات ستستغرق 10 سنوات لإنهاء الفحص، وبالطبع فلو استمر هذا البطء فى فحص الطلبات فستستمر هذه البنايات مجرد حوائط غير مستفاد بها مما يضطر أصحابها إلى البحث عن طرق غير مشروعة للانتفاع بوحداتهم، وبالتالى لم يتحقق الهدف من القانون.
2ــ وفى محاولة لسرعة الانتهاء من طلبات التصالح، أصدر رئيس الوزراء فى يونيو 2021 قرارا بالموافقة على كل طلبات التصالح فى مخالفات البناء التى تقدم بها المواطنون فى الريف، وهم المواطنون الذين دفعوا «جدية التصالح»، وستعتد الحكومة فى الأمور المتعلقة بالتصالح بمقدار المخالفة وفقا لما تقدم به أى مواطن من أوراق لجهات الإدارة المحلية المختصة، وإن عدد المواطنين الذين سيستفيدون من هذا القرار نحو 80 ألف من أصل 1,5 مليون تقدموا للتصالح، ولكن وزارة الإسكان أصدرت قرارا تنفيذيا لقرار رئيس الوزراء ألغت بموجب قرارها نسبة كبيرة من قرار رئيس الوزراء أو كأنها جعلته قرارا غير ذى جدوى، حيث استثنى القرار التنفيذى المنازل التى تزيد مساحتها على 200 متر، ويزيد ارتفاعها على 4 طوابق من القرار، على أن ينطبق عليها جميع ما جاء فى القانون الخاص بالتصالح وتعديلاته بشأن المعاينة واستيفاء جميع الإجراءات، وهكذا عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه من البطء فى التنفيذ وبحث المواطنين عن واسطة أو وسيلة لإنهاء الإجراءات أو عدم تنفيذ القانون أصلا.
3ــ كانت اللجنة التى تفحص الطلبات تحصل على 50 جنيها على فحص الطلب وتم زيادة المبلغ إلى 100 جنيه على أن يتم فحص 100 طلب فى اليوم ولكن ذلك لم يؤد إلى زيادة فى إنجاز الطلبات، مما يستدعى ضرورة مواجهة ذلك بالتطبيق الفعلى لقرار رئيس الوزراء بقبول كل طلبات التصالح وفق ما تقدم به المواطنون سواء فى المدن أو الريف دون استثناء وأن يقوم المواطنون باستكمال دفع مبالغ التصالح، مما يجعل الدولة تحصل على مليارات بصفة فورية وأن تستكمل هذه اللجان فحصها خلال الثلاث سنوات التى حددها قرار رئيس الوزراء للتأكد من جدية بيانات المواطنين.
4ــ من المفترض ولتحقيق الشفافية أن يتم الإعلان عن المبالغ التى تم صرفها على المشروعات التنموية بالمحافظات والتى يفترض أن تكون نسبتها 60% من المبالغ المتحصلة، وأن يتم الإعلان أيضا عن ما يتم صرفه للجان والمسئولين.
5ــ يعانى المواطنون الذين تقدموا بطلبات للتصالح من ضياع ملفات الكثيرين منهم داخل أجهزة المدن ولجان التصالح، حيث لا يوجد نظام لحفظ وتداول هذه الملفات، وبدلا من مسئولية الموظفين الذين تسلموا هذه الملفات، يكون المسئول هو المواطن فى البحث عن ملفه أو إعادة إحضار المستندات وانتظار السادة مسئولى اللجان للتكرم بالموافقة على فحص طلباتهم، وهو ما لا يحدث إلا للمعارف أو الموصى عليهم، فهل هذا تطبيق مقبول للقانون الذى يزيد متاعب المواطن ويجعله يفضل مخالفة القانون وتقديم الرشاوى للتغاضى عن ذلك.
6ــ وبالطبع تتفنن البيروقراطية فى تعقيد وزيادة الإجراءات حيث ضرورة الحصول فى كل خطوة على نموذج وصولا إلى نموذج 10 الذى يسمح بإدخال المرافق بعد دفع مقابل التصالح والحصول على نموذج 9، وللحصول على كل نموذج من هذه النماذج وقت طويل ومتاعب أكثر ونقود تبعثر هنا وهناك لتسهيل الحصول على هذه النماذج.
هذه نماذج من تطبيق قانون التصالح، وعلى المسئولين إدراك خطأ ما يحدث وأنه لابد من إنقاذ هذا القانون بالتطبيق الواضح والسريع للإجراءات، وعدم التحايل على قرار رئيس الوزراء بل ضرورة تنفيذه بحيث يشمل المدن وكل الريف على حد سواء، فهل هناك من يدرك ذلك؟.