نعيش جميعا فى حالة تخوف وتربص من فيروس كورونا، ولأول مرة تناشد الحكومة المواطنين بالبقاء فى المنازل، وتعطى إجازة للمدارس والجامعات، وتمتلئ الشاشات بالدعوة للنظافة الشخصية وغسل الأيدى، ثم تزيد الحكومة من الإجراءات بغلق المساجد والكنائس ثم تفرض حظرا للتجول مسائيا، وهو ما يعنى حالة مرتفعة من الطوارئ لمواجهة هذا الفيروس الذى هاجم العالم.
ورغم عدم انصياع البعض لقرارات الإغلاق الجزئى للمحلات والمقاهى إلا أن الغالبية ترضخ لما هو مطلوب منها بل يزايد البعض فى التخوف مما قد يحدث مع زيادة أعداد المصابين، وهو ما يجعلنا نعيش جميعا فى حالة من التعبئة لمواجهة هذا المرض، وكما فى المعارك الحربية فإن الخطأ فى المواجهة يكلف كثيرا من الأرواح، ولأن هذه المعركة الشعب طرف أساسى فيها وعليه تنفيذ متطلباتها، فلابد أن توضح الحكومة إجراءاتها والتى على الشعب تنفيذها وليس مجرد إلقاء التعليمات وهو ما نراه فى الدول المتقدمة حيث يخرج رؤساؤها فى مؤتمرات شبه يومية لشرح الخطوات المطلوب عملها، وهو ما يعطى قناعة للمواطن بأهمية دوره وضرورة تنفيذ الإجراءات المطلوبة.
ولأن الخطأ فى الإجراءات يؤدى إلى خسائر كبيرة فلابد من التأكد من المطلوب عمله وتوقيته، وهو ما يتطلب المشاركة بالرأى بين أهل الاختصاص للوصول إلى سد الثغرات فى تنفيذ الإجراءات المطلوبة، وحتى لا يكون البديل انتشار الآراء المفيدة وغير المفيدة على منصات التواصل الاجتماعى فيما يجب عمله مما يخلق حالة من البلبلة بين الأفراد فى الإجراءات الصحيحة المطلوب تنفيذها، لذلك على السلطات فى مصر أن تفتح المجال لتستمع إلى آراء المتخصصين فيما تقرره لأن إمكانياتنا المحدودة لا تسمح بترف هدر الإمكانات، وليس مطلوبا الآن أن تخرج الصحف والبرامج لتشيد بأداء الحكومة فقط.
***
وعند دراسة الإجراءات التى أعلنتها الحكومة فمن الممكن أن نجدها تحتاج إلى توضيح واستكمال لهذه الإجراءات ومن ذلك مثلا:
1ــ إن قرار وقف العمل بالعديد من المصالح والمحاكم والذى أصبح لمدة شهر، يحتاج للمراجعة فالقرار هدفه منع التكدس ولكنه يعطل مصالح المواطنين أكثر مما هى معطلة، وغير واضح متى تنتهى هذه الغمة، وهناك طرق عديدة لأداء العمل دون تكدس، فلماذا لا نأخذ بتحديد مواعيد تقريبية للقضايا بحيث لا يكون فى القاعة كل ساعة إلا أصحاب القضايا، ويمكن للشهر العقارى أن يعطى مواعيد تقريبية على مدى اليوم من خلال التليفون، وأعتقد أن الكثيرين يعرفون مثلى أنه فى الخارج لابد أن تحصل على موعد تليفونى لتحديد الوقت الذى تذهب فيه للبنك لأداء ما تريد، والهدف من ذلك هو عدم إضاعة الوقت فى الانتظار ولكنه يفيد أيضا فى منع التكدس.
2ــ الدعوة إلى النظافة والتحوط بارتداء الكمامات والقفازات تتطلب توفير هذه المستلزمات، والواقع أنها غير متوافرة مما يتطلب توفيرها فى الصيدليات وليس فى منافذ للجيش مما يؤدى إلى المزيد من التكدس، والمشكلة أنه لا يوجد لدينا خطوط إنتاج كافية حيث كان السوق يعتمد على ما يتم استيراده من الصين لرخص أسعاره، وهو ما يتطلب دراسة لجدوى تصنيع هذه المستلزمات على المدى الطويل وتكلفة إنتاجها من مستلزمات إنتاج محلية.
3ــ إذا كانت الحكومة تطلب ممن تظهر عليه أعراض المرض أن يذهب إلى مستشفى الحميات، فعليها أن توفر الأماكن المناسبة لذلك، فمن الواضح مما يكتبه بعضا ممن خاضوا هذه التجربة أن عدد مستشفيات الحميات قليل بالنسبة لمن ظهرت عليهم الأعراض، ونحن ما زلنا فى المرحلة الثانية كما تقول الحكومة لانتشار الوباء، فلماذا لا تقوم كل المستشفيات العامة والخاصة باستقبال هذه الحالات للكشف عن الإصابة بالمرض، وهو ما يتطلب أن تقوم المستشفيات الخاصة بخفض قيمة هذه الكشوف الطبية، وأن يكون الكشف والتحليل فى مكان واحد وليس كما كتب أحد المتعاملين مع مستشفى حميات العباسية أن كل طبيب فى مكانين متباعدين يرسله للآخر، فعلى مسئولى وزارة الصحة الانتقال من التصريحات إلى تحسين الوضع فى المستشفيات من خلال تحسين ظروف العزل حتى لا يهرب منه المصابون.
4ــ لا يكفى الإشادة بالجيش الأبيض وهم الأطباء والتمريض، بل يتطلب الأمر توفير الرعاية لهم لمنع انتقال المرض إليهم، وهو ما شاهدناه من شكاوى العديد منهم، وهو دور وزارة الصحة التى عليها أن تواجه الواقع وليس مجرد إصدار البيانات، كما أن الوباء يتطلب توفير المزيد من الأطقم الطبية، لماذا لا تفعل الحكومة مثلما فعلت الحكومة البريطانية بتوفير تدريب سريع ومكثف للأطباء من التخصصات المختلفة للعمل فى هذا التخصص.
5ــ إذا – لا قدر الله – وصلنا إلى المرحلة الثالثة والتى يتجاوز فيها عدد المصابين الألف مريض، مما يعنى عدم قدرة النظام الصحى على المواجهة، وهو ما يحتاج إلى المزيد من الأفراد لمحاولة مواجهة هذه الحالة، فلماذا لا تدعو الحكومة الشباب إلى المشاركة فى كتائب الدعم الشعبى التى تقوم بتنظيم التواجد فى المستشفيات وتوفير المطهرات ومساعدة الأطباء، والبدء بذلك من الآن لتدريب الشباب على الأعمال التى يمكن مشاركتهم فيها؟
6ــ الحملات لتطهير الشوارع والأماكن تحتاج إلى إعادة نظر لتحديد مدى جدواها والمدة الزمنية للاستفادة من هذه المطهرات، ثم أليست المستشفيات هى التى لها الأولوية فى هذه الحملات، أيضا هل نستفيد مما يتم رشه من المطهرات بينما أكوام القمامة فى كل مكان؟
7ــ الخط الساخن الذى تقول الحكومة إنها خصصته لاستفسار المواطنين، هل جربت الوزيرة أو أحد المسئولين الاتصال به لترى استحالة إتمام الاتصال، قد يكون ضغط الاتصالات، ولكن ألا يستدعى ذلك حلا بأن تزداد الخطوط المخصصة لهذا الرقم واقتصارها على منطقة محددة حتى يكون الاتصال سهلا ويقل الضغط على المستشفيات.
8ــ وقف الطيران أدى إلى ما يسمى بمشكلة العالقين بالخارج الذين يريدون العودة لوطنهم ولكن توقف الطيران حال دون ذلك، وعندما فوجئنا بتصريحات وزيرة الهجرة عن تسيير رحلتين إلى لندن لنقل البريطانيين العالقين بمصر، ثم تعود الطائرتان بالمصريين فى بريطانيا الراغبين فى العودة لمصر، وبدلا من الإعلان عن ذلك، تم ترتيب ذلك ليستفيد منه من له صلة بالمسئولين، رغم أن هناك المئات من الشباب الذين يدرسون فى إنجلترا وأغلقت الجامعات مما يعنى أنه لا حاجة لتواجدهم فى هذه الظروف، فلماذا لا توفر لهم الحكومة طائرة لعودتهم هم ومثلهم من الطلاب فى فرنسا وألمانيا، ويمكن أن تكون الرحلة بمقابل حتى لا يقال من يتحمل التكلفة.
على الحكومة أن تدرك أن هذا الوباء لا يمكنها مواجهته بمفردها، وأنه ليس كل ما تفعله سليما لا يحتاج للمراجعة، فلتستمع إلى الآراء الأخرى علها تجد ما يساعدها على مواجهة هذا الوباء بنجاح وأقل تكلفة.