دور الحكومة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية - صفوت قابل - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 12:36 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دور الحكومة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية

نشر فى : الأحد 3 يوليه 2022 - 7:00 م | آخر تحديث : الأحد 3 يوليه 2022 - 7:00 م
تتعدد مهام الحكومات ومن أهم مخططاتها كيف تواجه المشاكل والأزمات التى يتعرض لها المجتمع، سواء أكانت هذه الأزمات متوقعة أم مفاجئة، وكلما كان لديها من الخطط والسياسات التى تمكنها من تجاوز المشاكل، كانت من الحكومات الناجحة والتى ينعكس نجاحها على المجتمع وأفراده.
ومنذ بداية حرب روسيا على أوكرانيا فى 24 فبراير 2022 تعرض العالم لأزمة اقتصادية من خلال الارتفاع الكبير فى أسعار الطاقة والقمح نتيجة العقوبات الغربية على روسيا وتوقف تصدير القمح من أوكرانيا أساسا حيث تستحوذ روسيا وأوكرانيا على نحو 30% من إجمالى صادرات القمح العالمية.
فماذا فعلت حكومتنا لمواجهة هذه الأزمة؟ كانت البداية الإعلان عبر كل المسئولين والمسئولات ووسائل الإعلام أن هذه الأزمة مستوردة وأن العالم كله يعانى، وخرجت وسائل الإعلام تقول إن المواطنين والمواطنات فى الدول المتقدمة يعانون ولا يجدون زجاجة زيت، وبالتالى فلنحمد الله على توافرها ولو ارتفع سعرها، وبالطبع فلقد زاد التضخم فى كل الدول ولكن بنسب متفاوتة فمن دول ارتفع التضخم فيها إلى 3% واستطاعت الحكومات أن تحصر الزيادات السعرية فى نطاق أسعار الطاقة، إلى دول مثلنا زادت فيها كل الأسعار، وارتفعت نسبة التضخم وفقا للأجهزة الرسمية إلى حوالى 15% بينما الواقع يقول بنسب أعلى، كما لا توجد قواعد لمواجهة هذه الزيادات وتحديد أسبابها غير مهاجمة التجار الجشعين، وبدأنا نسمع يوميا عن المليارات من الدولارات التى على الحكومة توفيرها لشراء ما نحتاجه بعد ارتفاع الأسعار عالميا، وأصبحت المشكلة التى على الحكومة مواجهتها هى كيفية تدبير هذه المليارات من العملات الأجنبية، لذلك قام البنك المركزى بزيادة أسعار الفائدة لإغراء الأموال الساخنة الأجنبية لشراء أدوات الدين المحلية، وبدأت الحكومة فى عرض العديد من الشركات للبيع للصناديق العربية، غير محاولة الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولى، ونتيجة لذلك تزداد الديون ولكن الحكومة ترى أن سداد الديون بالمزيد من الديون.
• • •
لكن بدراسة الأوضاع الاقتصادية نجد أن عدم توافر العملات الأجنبية هى نتيجة لمشكلة يعانى منها الاقتصاد وهى الاعتماد المتزايد على العالم الخارجى، فمصر أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم ونحتاج لاستيراد غالبية السلع الأساسية وكل الكمالية ومستلزمات الإنتاج، وبالتالى نحتاج إلى المزيد من العملات الأجنبية ونحن لا نملك من الموارد والمنتجات ما نصدره ليوفر لنا ما نحتاجه من عملات أجنبية، لذلك فلكى لا تتكرر الأزمات على الحكومة وضع السياسات التى تقلل من الاعتماد على الخارج، ولن يكون ذلك إلا بإصلاح جذرى للزراعة والصناعة، ولابد من دور للدولة فى تخطيط ذلك ووضع المشروعات التى تجذب القطاع الخاص للعمل، وليس مجرد البيع للقطاع الخاص ودعوته للاستثمار من خلال زيادة الحوافز، فلقد جربنا هذه السياسة ولم تأتِ بنتائج.
وإذا أخذنا كمثال القمح فيما يجب عمله، فالخطوة الأولى لتقليل الاستيراد هى بالطبع زيادة الإنتاج محليا ولن يكون ذلك بمجرد زيادة أسعار الشراء من المزارعين بل قبل ذلك العودة لنظام الدورات الزراعية لكى تنخفض التكاليف مما يزيد من العائد للمزارع دون أعباء على المستهلكين، وتوفير الأسمدة والأنواع الجيدة من البذور وهو دور الدولة وليس أن تترك المزارعين لاحتكارات القطاع الخاص.
كذلك زيادة المساحة المنزرعة قمحا لن يكون بمشروعات الاستصلاح الجديدة مثل الدلتا الجديدة فهذه المشروعات تحتاج استثمارات باهظة تؤدى إلى زيادة التكاليف، بل الأولوية هى للمحافظة على الرقعة الزراعية المتواجدة من خلال منع تحولها للبناء سواء من جانب الحكومة أو الأفراد، وهو ما يتطلب نشر الحيز العمرانى للقرى للتصدى لكل البناء خارجه وهو ما طالب به رئيس الجمهورية وكان قانون المصالحات أحد الوسائل لذلك، ولكن كالعادة استطاعت قوى الفساد أن تطيل وتعقد الإجراءات لتستفيد من ذلك وتزداد المخالفات أيضا.
كذلك تستطيع الحكومة توفير ملايين من تكاليف استيراد القمح إذا انخفضت قيمة العمولات وأرباح الشركات المستوردة للقمح، فمصر تستورد أكثر من 12 مليون طن سنويا وبما أن الشركات المستوردة تضمن البيع لما استوردته فلماذا لا تقلل من العمولات والأرباح التى تحصل عليها، وخاصة أن عدد هذه الشركات قليل وبالطبع فالحكومة تعرف من يمتلكها.
ولقد أوضحت هذه الأزمة ضرورة تعدد الأسواق التى نستورد منها، لذلك لماذا لا نتجه إلى دول حوض النيل لنقوم بزراعة مساحات من أراضيها الخصبة بالقمح بدلا من استيراده من دول أخرى وبأسعار أعلى، لماذا لا نفعل مثل الصين التى أرسلت أبناءها لزراعة ملايين الهكتارات فى أفريقيا، ونستطيع أن نقرن الزراعة بتقديم خدمات الرعاية الصحية والتعليم ولدينا من المتخصصين من يستطيع ذلك، وبالتالى يستفيد كلا الطرفين؟
أما على جانب الاستهلاك فالمشكلة الكبرى للحكومة منذ سنوات هى ما تنفقه على دعم الخبز، ومنذ شهور تحدث الرئيس السيسى عن ذلك منوها لزيادة سعر الرغيف الذى استنكر أن يظل بخمسة قروش طوال سنوات طويلة، ولكن لم يحدث ذلك وبدأت الحكومة فى محاولة تقليل أعداد المستفيدين من دعم الخبز وخفض وزن الرغيف، فلماذا لا تجرب الحكومة طريقا آخر لوصول الدعم لمستحقيه كما تقول بأن يكون بيع الخبز بالوزن وليس بالرغيف، بحيث تتحمل جزءا من التكلفة وتترك للمستهلك حرية الشراء من أية مخبز ببطاقته التموينية التى عليها الوزن المسموح له به، وبالتالى لن يكون هناك سوء فى صناعة الرغيف أو سرقة من وزنه وتدفع الحكومة مقابل ما تم استهلاكه، وستجد أنها وفرت الملايين بذلك بدلا مما تنفقه على محاولات خفض عدد المستفيدين.
• • •
دائما فى أية مشكلة هناك مرحلتان من الحلول، الحل فى الأجل القصير وهو فى هذه الحالة كيفية مواجهة التضخم وخفض النفقات التى تحتاج العملات الأجنبية، فمثلا يمكن للحكومة تقليل بل وإنهاء أعمال مكاتب التمثيل الخارجى مثل المكاتب الثقافية والتجارية فالدولة تتحمل نفقات ومرتبات المحظوظين الذين يسافرون للخارج دون فائدة ومن الممكن القيام بمهامهم من الداخل من خلال تكنولوجيا التواصل الحديثة وتوفير الملايين التى تنفق على هذه المكاتب.
وفى الأجل المتوسط لابد من دور للدولة فى توجيه الاقتصاد نحو الاعتماد على الذات وتحول الاقتصاد إلى اقتصاد إنتاجى، فهل نتعلم من تجارب الآخرين فمثلا الهند كانت تواجه خطر المجاعة ولا تجد القمح للاستهلاك المحلى وهى الآن ثانى أكبر منتج للأرز والقمح فى العالم، ونحن نستطيع أن يكون اقتصادنا أفضل وأقل اعتمادا على الخارج وهذا دور الدولة، فهل تفعل ذلك أم نستمر فى البحث عن القروض ومناشدة القطاع الخاص بأن يتقدم ليقود التنمية.
صفوت قابل أستاذ الاقتصاد عميد تجارة المنوفية السابق
التعليقات