خلال الأسبوع الحالى طالعتنا الأنباء والأخبار بعديد الأمور الجديدة عن المياه وشحها. ففى مصر هطلت أمطار غزيرة على مناطق مختلفة من الجمهورية، ووصلت إلى حد العواصف الرعدية، وشكلت مفاجأة غير متوقعة حتى لهيئة الأرصاد التى توقعت انحسار غزارة الأمطار فى مناطق محددة. وأعلنت السودان أن إثيوبيا تضع المزيد من الدعائم لتعلية الممر الأوسط لسد النهضة، استعدادًا للملء الثالث للسد فى الصيف القادم، غير عابئة بمطالب دولتى المصب، وجزء معتبر من المجتمع الدولى، بضرورة الاتفاق الملزم على قواعد تشغيل السد. وفى الأردن طالعتنا الأنباء باتفاق الأردن والكيان الصهيونى هذا الأسبوع على بيع الأخير للأردن 50 مليون م3 من المياه، وذلك كجزء من البروتوكول الموقع بين البلدين عام 2010، والناتج عن اتفاق وادى عربه 1994، وذلك بسعر سنت واحد للمتر المكعب، وذلك كله من مياه بحيرة طبرية التى احتلت إسرائيل ضفتيها عام1967.
فى لبنان انقطعت إمدادات المياه عن المنازل كنتيجة لتوقف محطات الضخ بسبب أزمة المازوت التى يعانى منها لبنان مع أزمة طاقة كبرى عصفت به، ضمن أزمات عديدة اقتصادية وسياسية، ما جعل لبنان وهو الدولة العربية الوحيدة مع المغرب التى تعتمد على مصادر مياه تنبع من أراضيها وحدها، تعيش فى حالة فقر مائى، جعل نصيب الفرد من المياه ينحدر من 1000م3سنويًا إلى 100م3.
بالتوازى مع كل ذلك شحت المياه العذبة فى دجلة والفرات فى العراق فى الأسابيع القليلة الماضية، نتيجة سياسات تركيا التى ما برحت تبنى سدًا بعد سد ما أدى لحالة شح مياه مخيفة تعيشها كل من سوريا والعراق، خاصة مع تأسيس سد أليسو العملاق.
من كل ما تقدم يتضح أن مشكلة المياه أصبحت الشغل الشاغل فى المنطقة، وأن دول الجوار الجغرافى ما زالت تشكل سببًا رئيسًا لذلك بسبب أطماع تلك الدول التى ما فتئت تتخذ الإجراءات تلو الإجراءات طمعًا فى إخضاع الدول العربية. فإسرائيل تبيع مياه بحيرة طبرية التى سرقتها ونهبتها عام1967 مع نهر الأردن، ضمن سرقتها ونهبها لأراضى الغير باعتبارها كيانا استيطانيا غربى زرع فى المنطقة لتنفيذ أطماع استعمارية، وهى تعتمد على طرد السكان وتشريدهم ونهب الثروات والمقدسات والموارد. وقد قامت بما قامت به تجاه الأردن وسط توقف عدة مشروعات لتنمية الموارد المائية الذى تبنته الأخيرة منذ عقود، وعجزت عنه بسبب مؤسسات التمويل الدولية، وكأن الدول العربية النفطية قد عجزت عن تمويل هذا المشروع القومى.
وبالمثل فإن إثيوبيا تحرص كما تحرص تركيا على إقامة السدود لحرمان دول المصب من المياه، وبينما تعتمد الثانية على قوتها، وضعف جيرانها العرب بسبب حالة التشرذم نتيجة أزمات تلك البلدان الداخلية والإقليمية، فإن إثيوبيا تعتمد على المنطق الصهيونى فى خوض مفاوضات لا تنتهى، ما مكّنها من صناعة قنبلة جديدة وغير تقليدية، أسمتها القنبلة المائية، والتى تعتمد على التهديد بإغراق دولتى المصب بيد دولتى المصب، حال الإقدام على ضرب السد عسكريًا، عقب الملء الأول فى أغسطس2020.
واحد من الأمور الرئيسة التى يجب أن تتنبه إليها بلدان الشح المائى، إلى جانب أسلوب المفاوضات، والعمل الأمنى المهم لمواجهة التحديات المائية، هو العمل على ترشيد استهلاك المياه، وإيجاد مصادر بديلة من الآبار والعيون وتحلية الماء، وإعادة تنقية مياه الصرفين الصحى والزراعى. وتعتبر مصر من أبرز تلك الدول. إذ يرد لها نحو 55.5 مليار م3 من المياه من نهر النيل، بينما تستهلك عمليًا ما يفوق 80.5 مليار م3 نتيجة سياسات الترشيد والبحث عن بدائل. لا شك أن تخزين مياه الأمطار ما زال واحدًا من الأمور التى يجب أن تعتمد مصر عليها، ويسبب هدرها رغم قلة حجمها، مشكلة كبيرة. لكن فى جميع الأحوال تبقى العقبة الكئود فى الاعتماد على مياه النيل كمصدر رئيس لا غنى عنه لأنه يشكل 94% من احتياجاتها، خاصة مع وصول نصيب الفرد من المياه مع زيادة السكان إلى نحو 570م3 سنويًا عام 2018، بعد أن كان منذ وقت قريب عند حد الفقر المائى الدولى (1000م3 سنويًا).
لبنان الجريح حاجته فى المال هى الفيصل بسبب وجود منابع المياه داخله، والتى على الرغم من نهب إسرائيل لجزء معتبر منها بالسيطرة على مياه أنهار الليطانى والحصبانى، فإن المنتج يكفى ويفيض. المشكلة هى فى توافر المال، وترك لبنان من قبل بعض بلدان الخليج التى سلمت البلد إلى إيران تسليم مفتاح منذ نحو أربعة أعوام.
استرداد قوة كل من سوريا والعراق بسبب التمزق الداخلى هو الكفيل بالوقوف فى مواجهة الأطماع التركية.