المبررات التى تساق لحذف خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى كثيرة، وجميعها تبدو منطقية. المواطن هو المواطن، لا فرق بين أن يكون مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو يترك خانة الديانة فارغة أو بها علامة حسب حكم المحكمة الإدارية العليا منذ سنوات فى حالة البهائيين. البعض يرى فى حذف بند الديانة أحد مستلزمات إزالة التمييز، ولا سيما بعد أن حدث توسع غير مبرر فى الأوراق الرسمية التى أصبحت تنص على بند الديانة بما فى ذلك أوراق التقديم فى الجامعة وهو ما أحدث ضجة منذ فترة قريبة فى جامعة القاهرة، واستتبعها قرار رئيسها السابق الدكتور جابر جاد نصار بحذف بند الديانة من استمارات التقديم بالجامعة. وتبعه مبادرات مماثلة من جامعات أخرى حسبما أعلن وقتئذ. وقد تجد فى المقابل مبررات كثيرة أيضا للإبقاء على خانة الديانة فى بطاقة الرقم القومى تتعلق بضرورة معرفة المجتمع بديانة الشخص، وأهمية ذلك فى مسائل الأحوال الشخصية، وغيرها.
فى الحقيقة أن حذف بند الديانة من بطاقة الرقم القومى يتماشى مع المعايير الدولية فى هذا الصدد، ولكنه لن يقدم جديدا فى الحالة المصرية التى أصبحت أسماء الأشخاص فيها دالة على ديانتهم دون حاجة إلى النظر فى الأوراق الرسمية، خاصة بعد أن طغت على المجتمع اتجاهات منذ السبعينيات لإطلاق أسماء دينية صرف على المواليد، وغابت الأسماء العامة التى لا يُعرف على وجه التحديد هويتها الدينية، والتى تربينا عليها جميعا، وهناك من الأجيال السابقة من يقول إنه أمضى سنوات فى الفصل الدراسى ولا يعرف تحديدا ما إذا كان زميله مسلما أو مسيحيا، هكذا كان الحال فى عقود بعيدة قبل أن يُبتلى المجتمع بالهاجس الطائفى الذى أصبح يدور فى إطار الفعل ورد الفعل طيلة الوقت، وأصبحت الأسماء كاشفة للهوية الدينية دون حاجة إلى ذكر بند الديانة فى بطاقة الرقم القومى، وصار التفكير الطائفى حاكما فى أشياء كثيرة تبعا لاسم الشخص لا أوراقه الرسمية. نسمع عن تمييز فى مساحات كثيرة من المجتمع، أغلبها اجتماعى وليس رسميا، ممارسات وليست قواعد قانونية، مثل الشكاوى التى تحدث أحيانا من الاستبعاد من الالتحاق بفرق الكرة حسب الهوية الدينية، وأثار ذلك لغطا، وتكرر الأمر عندما اتخذ قرار بتسمية الصيدليات بأسماء أصحابها فوجدنا من يتحدث عن صاحب هذه الصيدلية حسب هويته الدينية، وغيرها. قس على ذلك العديد من المواقع والوظائف.
المجتمعات الناضجة تقر بهوية الشخص الدينية، لكنها لا تفرق بينه وبين غيره. وكلما خطا المجتمع خطوات على طريق الوئام والحوار وبناء العلاقات الايجابية تمكن من تجاوز الطائفية بمعناه الفكرى أو العملى. وأظن أن هناك جهات استطاعت أن تقدم نماذج مهمة فى تجاوز الطائفية دون التخلى عن هويتها الدينية، بل على العكس تعلنها فى رسالة مودة للمجتمع بأسره. المستشفيات التى تؤسسها الكنائس والمساجد، المدارس التى أنشأتها هيئات مسيحية على تنوعها، والتى يتكالب عليها المصريون مسلمين ومسيحيين، وهم يشعرون أنها تقدم تعليما جيدا، وكم من قيادات بلغت مواقع فى الدولة والمجتمع تفخر بأنها من خريجى هذه المدارس، التى حملت رسائل تعايش للمجتمع.