قلنا فى مقالين سابقين بالأهمية الكبرى لإبراز ضرورة إبعاد شعار الوحدة العربية عن أن يكون ليس أكثر من تعبير عن مشاعر وأحلام ومقولات نظرية، خصوصا فى أذهان شابات وشباب الأمة العربية الذين يتعرضون لحملة استعمارية – صهيونية من الخارج ولتشويه متعمد من بعض أصحاب المصالح فى الداخل بقصد الحط من أهمية هذا الشعار القومى وإماتته فى ذاكرة الأمة الجمعية.
من هنا الضرورة القصوى لربط شعار الوحدة بمنطلقات وأهداف ووسائل ترتبط أشد الارتباط بواقع الأمة. ولقد تحدثنا فى مقال الأسبوع الماضى عن أهمية منطلق الهوية العروبية كمدخل لعوالم الوحدة العربية.
فى اعتقادنا أن المنطلق الثانى هو الاتفاق على إبعاد شعار الوحدة العربية عن التزمت والجمود فى الزمان والمكان وإدخاله فى لعبة التفضيل والأولويات التى لا تقدم ولا تؤخر. من أجل ذلك نحتاج للتركيز على ما يلى:
1ــ مراجعة ونقد التجارب الوحدوية السابقة من أجل استيعاب دروس إخفاقاتها وليس من أجل، كما يريد أعداء الوحدة العربية، الكفر بها والابتعاد عن النضال من أجل تحقيقها بصور أفضل. كثيرا ما يكون الفشل فى تطبيق الأفكار والشعارات الكبرى فى الواقع يعود إلى نواقص فى إرادة ووسائل من حاولوا تطبيقها فى الواقع، وليس بسبب عيوب فى صحة وسلامة وأهمية تلك الأفكار والشعارات.
2ــ الاتفاق على الإطار الأنسب والأكثر واقعية للوحدة العربية المنشودة. وهناك تجارب وحدوية عالمية كثيرة للأخذ بأصلحها وأجداها وأكثرها قبولا من قبل المجتمعات والشعوب. ولقد تبين أن هناك مصاعب واقعية كثيرة فى بعض الوحدات القومية الاندماجية الشاملة. وتبين أن الوصول إلى ذلك النوع من الوحدة، كما كان يطلبها القوميون العرب فى الماضى القريب ولا يقبلون بغيرها، يجب أن يسبقه قيام الدولة القومية الاتحادية، مع تفضيل كبير للاتحاد الكونفيدرالى فى بادئ الأمر.
وهذه النقطة لها أهمية كبيرة لنا، نحن العرب، بسبب تواجد الدول العربية القطرية الراسخ فى الواقع العربى والذى بنى، عبر السنين، مصالح وأوضاع محلية تحتاج أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن أى نوع كان من الوحدة. لكن أخذ المصالح والأوضاع المحلية لا يتحقق بشكل معقول ومقبول إلا فى الدولة الكونفدرالية؛ حيث توجد سلطات محلية (قطرية) مسئولة عن الكثير من الخدمات المحلية وسلطات كونفيدرالية مركزية مسئولة عن بعض الخدمات والمصالح والممارسات المشتركة فيما بين الأجزاء.
3ــ وحتى قبل الوصول إلى الوحدة الكونفيدرالية تلك هناك مداخل وخطوات مساعدة يجب أن لا تغفل ويجب النضال من أجل تحقيقها، من مثل التضامن أو التنسيق أو التعاون أو التوحيد الجزئى فى بعض جوانب الاقتصاد والسياسة والأمن والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.
4ــ ولذلك فإن تحقيق الوحدة العربية هو مشروع ممتد فى الزمن العربى والجغرافيا العربية وتوفر الإرادة العربية المستقلة غير المخترقة من قبل الخارج أو الداخل. وبمقدار ما سيحتاج ذلك على استعمال الواقعية فى المراحل التطبيقية المتعاقبة التراكمية، سيحتاج أيضا إلى قوى سياسية ونقابية ومهنية ومدنية أخرى كثيرة تناضل من أجل التوجه والتحقق التراكمى نحو ذلك الشعار.
دون ذلك النضال المنظم العنيد، واندماج شباب وشابات الأمة فيه، سيكون من السهل لأعداء الوحدة العربية، وعلى الأخص الاستعمارية والصهيونية الكارهة لأى وحدة عربية بل والعاملة على تمزيقها، أن يمنعوا تحقيقها بشتى الصور، تماما كما فعلوا ونجحوا طيلة القرن الماضى.
مفكر عربى من البحرين