وكأن بلاده ليست ضالعة فى ذبح الفلسطينيين وتشريدهم ومنح إسرائيل فرصة إبادتهم جماعيا!، وكأنه لم يجاهر هو نفسه بمساندة الكيان الصهيونى باعتباره «يهوديا» قبل أن يكون وزيرا لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية!! هكذا يتلاعب أنتونى بلينكن بالحقائق، ويعمل على تزييف مناصرته ووزارته لإسرائيل فى ارتكاب جرائمها التى تحاكم عليها حاليا أمام محكمة العدل الدولية بتهم الإبادة الجماعية.
خلال جولته الأخيرة فى المنطقة راح بلينكن يذرف دموع التماسيح، ويعلن تعاطفه مع أيقونة الإعلام الفلسطينى وائل الدحدوح، الذى فقد فلذة كبده وابنه البكرى المراسل الصحفى حمزة بقصف إسرائيلى متعمد لسيارته مع زميله مصطفى ثريا، بعد أن فقد الدحدوح الأب زوجته وعددا من أفراد أسرته فى قصف إسرائيلى سابق، وهى الجريمة التى لم يجد الاحتلال سوى الأكاذيب لتبريرها!.
خلال مؤتمر صحفى فى العاصمة القطرية الدوحة، سُئل بلينكن، عن مقتل حمزة وزميله مصطفى بصواريخ إسرائيلية فى غزة، وكأبرع نجوم هوليوود التى طالما قلبت الباطل إلى حق بأفلام مصنوعة بحرفية عالية، تقمص وزير الخارجية الأمريكى دور الأب المكلوم وهو يقول: «أنا آسف جدا جدا على الخسارة التى لا يمكن تخيلها التى عانى منها زميلكم الدحدوح. أنا والد أيضا لا أستطيع أن أتخيل المعاناة التى عاشها ليس مرة واحدة بل مرتين».
وإتقانا لمشاعره المزيفة أضاف وزير الخارجية الأمريكى تعليقا على قتل أفراد عائلة الدحدوح «هذه مأساة لا يمكن تصورها، وهذا هو الحال أيضًا، كما قلت، لعدد كبير جدًا من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء، والمدنيين، وكذلك الصحفيون – من الفلسطينيين وغيرهم». معترفا بمقتل أكثر من 70 صحفيا كانوا يعملون على نقل حقيقة ما يجرى من عدوان إسرائيلى على قطاع غزة.
لا يكف وزير الخارجية الأمريكى عن تبرير الجرائم الإسرائيلية باعتبارها «دفاعا عن النفس»، لكنه لا يخجل من محاولة إظهار وجه إنسانى مكذوب وهو يتحدث عن مأساة الزميل وائل الدحدوح، وكأنه ليس شريكا فى وقوع تلك المأساة!
تناسى بلينكن وهو يذرف الدموع الكاذبة على مأساة الدحدوح، وهى للحقيقة عنوان لكل المآسى التى تتعرض لها العائلات الفلسطينية، أن نجل الدحدوح وكل رفاقه من الصحفيين الفلسطينيين الذى ارتقوا إلى بارئهم بسلاح وعتاد أمريكى وافق وزير الخارجية قبل أيام على مد جيش الاحتلال به من دون الحصول على موافقة الكونجرس، تشجيعا لإسرائيل على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين.
منذ اليوم الأول للعدوان على غزة لم يدخر بلينكن جهدا لإتاحة الفرصة أمام إسرائيل للتنكيل بالفلسطينيين والعمل على محو وجودهم، تارة بتقديم الدعم المادى، وأخرى بجولات دبلوماسية مكوكية، وثالثة بتوجيه سفرائه لدى الأمم المتحدة لاستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرارات من مجلس الأمن لإنهاء الحرب فى غزة، ووقف آلة القتل الإسرائيلية التى تحصد الأطفال والنساء والعزل من كبار السن، وتجبر من يفلت منها على ترك ديارهم التى يتم هدمها فوق رءوسهم بلا رحمة.
وبدلا من ذرف دموع التماسيح ألم يكن الأولى بالسيد بلينكن أن يتفوه ولو بكلمة واحدة عن ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار، بدلا من «النفاق» وإظهار وجه على غير حقيقته لمجرد الاستهلاك الإقليمى والخروج من مأزق وجد نفسه فيه وهو يرد على الصحفيين فى الدوحة؟ ألم يشارك بلينكن من قبل فى اجتماع الفريق الذى يقود الحرب فى إسرائيل، وعلى رأسه رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، يوآف غالانت، وغيرهما من مجرمى الحرب على غزة؟!.
ألم يقل بلينكن لفريق الحرب الإسرائيلى مستعجلا تنفيذهم جرائم القتل «أنتم تعرفون ولا شك أننا وفرنا لكم ولا نزال غطاء سياسيا دوليا كبيرا، لكن الوقت يمر والعالم يشاهد صور أطفال غزة، وينقلب ضدكم وضدنا»؟!
وفى الأخير لا نجد خيرا من المثل الشعبى الذى يقول «يقتل القتيل ويمشى فى جنازته» توصيفا لحال الطاووس بلينكن الذى لا يكف عن التفاخر بيهوديته، وهو يستعرض قدراته الدبلوماسية فى التغطية على جرائم إسرائيل.