عناوين بعض الأفلام تؤكد ان المشاهدين يحبون قصص النكد ويسعون اليها، ويدفعون ثمن التذكرة عن رضا من أجل الدخول إلى عالم النكد. عنوان هذا الفيلم «هدمت بيتى» اخراج 1949 حسين فوزى، وهو أيضا مشارك فى السيناريو أما الممثل محمود السباع فهو كاتب القصة، والحوار. وأحد الممثلين فى الفيلم والغريب أن اسمه مكتوب فى عناوين الفيلم على انه محمد السباع، وهذا أمر يدعو إلى التساؤل، فليس لدينا أى معلومات ان هذا الاسم موجود فى جميع افلام الممثل، طوال تاريخه الفنى منذ فيلمه الأول «نشيد الأمل» مع أم كلثوم 1937، ومن المستبعد ايضا أن تكون هناك غلطة باعتبار أن السباع قام باكثر من مشاركة فى الفيلم، ككاتب وممثل، علما بأن الأخطاء فى كتابة الأسماء على الشاشة أمر غير موجود بالمرة فى السينما التى نعرفها، لكن دعنا نتحدث عن النكد كما يقدمه الفيلم، فهو حالة فريدة أيضا فى مسيرة المخرج والمؤلف حسين فوزى الذى يبدأ الفيلم بأغنية مليئة بالنكد، فكان المشهد الأول لمغنية تنزل على محبى النكد بأغنية «وعد ومكتوب»، الفيلم بطولة ملك النكد فى الافلام زكى رستم إلى جوار زوزو شكيب وبشارة واكيم وزينب صدقى، وروحية خالد، وعندما نقول ملك النكد بالنسبة لزكى رستم فإن الأمر ينطبق تماما على الممثل الذى اشتهر بأنه يندمج بقوة فى أدواره، بمعنى أن المشاهد يرى الانفعالات الطاق طاقين ولا أعرف كيف احتمله المتفرجون فى أدوار الشر الكثيرة التى جسدها طوال رحلته، ومنها فيلم «النمر» و «رصيف نمرة خمسة» و«عائشة» و«بائعة الخبز»، و«خاتم سليمان»، و«أنا الماضى» و«حكم قراقوش»، وغيرها، بما يعنى أننا شاهدنا مغالاة فى سلوك شعبان، الأب الذى قام بهدم بيته وتسبب فى قتل زوجته وانتحار ابنه، وهروب ابنته من المنزل كى تتزوج الشاب الذى رفضه أبوها الذى خسر أكثر من حوله، وفى النهاية عرف أن الله حق وندم بعد فوات الأوان، بعد أن عشق فنانة ابتزت منه المال. وعاش معها أوقاتا ممتعة على حساب اسرته.
بالنسبة لعنوان الفيلم فإنه تكرر كثيرا فى السينما المصرية، منها فيلم «كدت أهدم بيتى» اخراج أحمد كامل مرسى وبطولة محسن سرحان، واحد من الذين تخصصوا فى الظهور فى افلام من النوعية نفسها مثل: «كأس العذاب»، و«السعادة المحرمة» و«حكم القوى» و«أشكى لمين» و«غلطة أب» و«ظلمت روحى»، و«أنا ذنبى ايه»، و«زمن العجايب»، وذلك فى عدد قليل من السنوات ما يعكس حالة النكد التى سيطرت على السينما.
أما موضوع الفيلم فإنه من النوع الذى تنطبق عليه مقولة «لا مخرج» بمعنى أن شعبان الذى يجسده زكى رستم، الصيدلى، الميسور، هو بالغ القسوة رغم أن الله منحه أشياء كثيرة طيبة وأسرة متوسطة العدد من الابناء، والزوجة المحبة الصالحة، والأم التى تعيش معه، وايضا العشيقة، والموظفين، ورغم كل ذلك فهو رجل شديد الغلظة فيما يقول ويفعل حتى مع العشيقة التى اندست كى تغير من سلوكه، وهو، حسب الفيلم، ليس مريضا بالغيرة إزاء امرأته، فهى جميلة تجسدها الممثلة الراقية زينب صدقى، وهو يتسبب فى موتها حزنا على ابنها الذى مات منتحرا بسبب قسوة الأب، ومع هذا فإن قلب شعبان لا يلين الا بعد أن يقوم بنفسه بتحطيم الصيدلية، وهو الذى تسبب فى تنفير الزبائن منه، كما أن شعبان رفض أن يزوج الموظف الذى يعمل لديه منذ سنوات إلى ابنته، ويطرده شر طردة من العمل، ما يدفع بالابنة سعاد إلى الهرب ليلا مع من تحب وينجح زوجها فى فتح صيدلية، وفى النهاية فإن الرجل ينتبه، فى اللحظات الأخيرة من الفيلم، إلى فداحة ما ارتكب، ويلم شمل المتبقى من اسرته بعد فوات الأوان.
كما أشرنا فان شعبان هنا كان له شبيه رأيناه أيضا بوجه زكى رستم فى فيلم «عائشة» اخراج جمال مدكور 1953، ما يؤكد أن السينما المصرية فى تلك السنوات كانت مغرمة جدا بهذا النوع من القصص، واذا كان الممثل قد تخصص دوما فى أداء هذه الأدوار، فإنه كان شخصا اساسا فى أدوار النكد حتى فى الأفلام التى أدى فيها دور الرجل الغليظ الذى يكسره الزمن مثلما حدث فى فيلم «لن أبكى أبدا»، أو «لحن السعادة»، الا أغلب افلامه كانت مغموسة بالنكد حتى وان كان طيبا ومنها «قلبى على ولدى»، و«أعز الحبايب» الذى هو تكرار لدوره فى فيلم «الأب» 1950. ولا أعتقد أن السينما المصرية كان بها مثل هذا الممثل ولا تلك الأدوار التى صنعت من أجل الفنانين الذين قدموها لنا بكل إخلاص ما ترك آثاره فى ذاكرتنا.