تصدرت خطة إصلاح وتطوير المؤسسات الصحفية القومية والنهوض بها، مناقشات وتدوينات معظم العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة خلال الأيام الماضية، فسلسلة الاجتماعات التى دعا إليها الزميل كرم جبر رئيس «الهيئة الوطنية للصحافة» عناصر المهنة المختلفة فتحت بابا للجدل حول أسباب الأزمة التى تمر بها الصحافة القومية وسبل النهوض بها من كبوتها.
خلال تلك الاجتماعات أدلى كل من حضر بدلوه فى الأزمة التى تمر بها ليس المؤسسات القومية التى وصلت ديونها إلى أرقام مخيفة فقط، بل إلى أزمة مهنة الصحافة ككل والتى تداعت إلى حد استشعر معه الجميع بالخطر.
بحسب المعلن طرحت تلك الاجتماعات ما ترى أنه حلول للأزمة منها ضرورة تطوير المحتوى الصحفى ورقمنته، وتدشين منصات صحفية إلكترونية تناسب العصر الجديد وترضى احتياج أجيال تتابع الأخبار عبر هواتفها الذكية، وعرضت مبادرات جيدة لتدريب الصحفيين، كما تداول المشاركون مقترحات عن استغلال أصول المؤسسات «المهملة» ضمن خطة متكاملة لوقف نزيف الخسائر وتقليل قيمة الدعم الذى تحصل عليه تلك المؤسسات من الحكومة.
القضية التى أثيرت على استحياء ولم أجدها فى معظم الأخبار التى تناولت سلسلة اجتماعات «الوطنية للصحافة» مع المهتمين هى قضية «حرية الصحافة» التى أرى أنها بيت الداء وأول طرق إنقاذ هذا المريض من دائه. وباستثناء اللقاء الذى جمع أعضاء «الوطنية للصحافة» بمجلس نقابة الصحفيين، لم تخرج أى إشارة عن أزمة الحصار والرقابة المفروضة على المحتوى الصحفى، والذى تسبب فى أن تتحول معظم صحف مصر إلى نشرات دعائية لا يقترب منها الجمهور.
تضمن البيان المشترك لـ«الهيئة الوطنية» و«نقابة الصحفيين» بندا يؤكد على أن الحرية هى أول طريق لحل أزمات الصحافة والحفاظ على الدولة المصرية، وأشار إلى أن المدخل الأساسى لجذب القراء وعودة الثقة والمصداقية يبدأ من صناعة محتوى صحفى يعبر عن اهتمامات وهموم المواطن المصرى، ويحقق التعددية والتنوع ويضمن وجود جميع الآراء والتوجهات.
مع كل الاحترام لكل ما طرح من آراء بشأن أزمة المؤسسات الصحفية، فالبند السابق هو بداية إصلاح ليس تلك المؤسسات فقط بل منظومة الإعلام المصرى الذى هجره الجمهور تدريجيا حتى وصل توزيع أحد الإصدارات الأسبوعية إلى (140) نسخة، فيما يوزع إصدار يومى آخر يعمل به المئات (1000) نسخة.
واجهت الحكومة صناع المهنة بأرقام عن خسائر وديون المؤسسات وأرقام توزيع الإصدارات، لكنها لم تسأل كيف وصلت صحافتها إلى هنا؟.. هل اشتبكت الصحافة مع هموم القارئ وقضاياه أم اكتفت بتقديم أخبار «بايتة» خبرها الجمهور قبل ٢٤ ساعة من خلال وسائط أخرى؟ وهل كسرت صحيفة الحصار الذى تفرضه المصادر، وحصلت على قصة صحفية مكتملة الأركان، أم أننا ندور جميعا فى دوامة نقل البيانات والتصريحات المعلبة للدرجة التى جعلت من الصحف المصرية كلها تخرج فى أيام كثيرة بذات المانشيت؟ وهل تجاسر فريق أى إصدار صحفى واشتبك مع ما يطرحه المصدر وقدم للقارئ خدمة «ما وراء الخبر»، وأجاب عن «كيف ولماذا وما تبعات ذلك؟».
أدعى أن هذا لا يحدث عادة، فصالات التحرير تمر بأزمة حقيقية عند التعاطى مع أخبار مؤسسات الحكم وقضايا المواطن وأزماته، وهو ما دفعه إلى اتخاذ قرار بهجرها، والبحث عن بدائل تلبى رغباته فى المعرفة وتشتبك مع همومه وقضاياه حتى لو كانت غير موثوقة، فذهب إلى «السوشيال ميديا» وهو يعلم أنها وسيط غير موثوق فيه، فالجمهور عادة يميل إلى التعرض لرسائل إعلامية تتوافق مع ميوله واهتماماته ويتجنب الرسائل التى لا تخاطب هذه الاتجاهات والاهتمامات.
فك الحصار عن الصحافة، وفتح الباب أمام تداول الأخبار والأفكار والاشتباك مع قضايا الوطن ليس ترفا، بل ضمانة أساسية لنهضة المجتمعات واستقرار الدول.
الآلة الدعائية الإعلامية التى دشنها جوبلز وزير الدعاية الألمانى قبل 100 عام لدعم هتلر وأفكاره وطموحاته أنهت حلم الفوهرر بالسيطرة على العالم وهزمت دولته شر هزيمة فى الحرب العالمية الثانية، أما الصحافة الحرة التى دعمتها النظم الغربية وجعلت منها سيف المحكوم المسلط على رقاب الحكام فأسست دولا تملك مقومات الحياة والاستمرار.