طبقا للتعديلات الأخيرة للمادة 93 من الدستور، تختص المحكمة الدستورية العليا بالفصل فى صحة عضوية أعضاء البرلمان، ومع ذلك فقد أعلن المجلس العسكرى أمس موافقته على أن تختص محكمة النقض بهذا الحق، تنفيذا لمطالب جمعيتها العمومية، دون أن يوضح لنا أحد سلطة محكمة النقض على إجراء هذا التعديل الدستورى؟ وكيف سيتم إقراره؟ وهل تم الاتصال باللجنة التى رأسها المستشار طارق البشرى لتبنى هذا التعديل الجديد أم لا؟
ما يثير الاستغراب هو انه إذا كان هذا التعديل الجديد قد تم إقراره بالفعل، فلماذا لا نجرى تعديلات أخرى نحد بها من الصلاحيات شبه المطلقة التى يعطيها الدستور لرئيس الجمهورية، لكى نعيد التوازن المفقود بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولنتلافى الانتقادات الموجهة لها بأنها تكرس لإعادة إنتاج فرعون جديد؟.
أكثر ما يخيفنى من تعديلات لجنة المستشار البشرى هى أن المادة 189، توكل للرئيس ــ ذى الصلاحيات المطلقة ــ مع نصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى المنتخبين فى ظروف لن تسمح أبدا بوجود برلمان يعبر عن كل قوانا السياسية - بـ«طلب» إصدار دستور جديد - إذا أرادوا - من خلال جمعية تأسيسية من 100 عضو ينتخبهم أغلبية أعضاء المجلسين!
فكل التوقعات تؤكد أن ثوار 25 يناير لن يستطيعوا دخول البرلمان، فغالبية الناخبين لا يعرفونهم، ولا أحد يعرف برامجهم السياسية بوضوح، كما أنهم شخصيا ليس لهم أية خبرة بأضابير المعارك الانتخابية ودور العائلات خاصة فى الصعيد فى إنجاح هذا المرشح أو إسقاط آخر ربما يكون أكثر كفاءة، وهو ما سيطيح بثوار يناير بعيدا عن دائرة صنع الدستور الجديد، والأكثر من ذلك، أن الاحزاب الكبيرة كالوفد والتجمع والناصرى وغيرها، عانت طوال عهدى السادات ومبارك من قيود حكومية وتدخلات أمنية أوقفت تطورهم، وحاصرتهم داخل مقارهم، ومنعتهم من الاتصال بطلاب الجامعات أو عمال المصانع وهى القوى النشطة سياسيا التى يمكن اعتبارها وقود الأحزاب والتى تستطيع أن تصنع التغيير الحقيقى فى أى مجتمع.
أمام المجلس العسكرى فرصة أخيرة، لكى يبحث تأجيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، استنادا إلى موافقته على طلب عمومية النقض، لمدة شهر أو شهر ونصف الشهر على الأكثر، يجرى خلالها انتخاب هيئة تأسيسية من الخبراء وأساتذة القانون الدستورى وممثلى الأحزاب والقوى السياسية، لإعداد دستور جديد، بدلا من أن يتركنا نقفز إلى المجهول، برئيس يشبه الفرعون، وبرلمان يثير الريبة، ودستور مشوه!