فى يوم الأحد الماضى ناقشت لجنة مباشرة الحقوق السياسية بالحوار الوطنى، واحدة من القضايا الرئيسة على جدول أعمال اللجنة، وهى عدد أعضاء مجلس النواب، وتفرغ النائب لمهام العضوية.
قبل ذلك بعدة أيام، ناقشت ذات اللجنة النظام الانتخابى، وظهر عدم توافق بين المتناقشين، لكون البعض قد فضل بقاء نظام القائمة المطلقة المهجور عالميا، وذلك فى تكريس واضح لمصلحة بعض القوى السياسية فى تزكيتها ضن القائمة المتوقع فوزها، ومن ثم ضمان فوزها.
وكان مجلس الأمناء قد عزم منذ أكثر من ثلاثة أشهر على إدراج مسألة الإشراف القضائى على الانتخابات، لما تلمسه من أرجحية توافق القوى السياسية حوله. لكن بدا أن مجلس الأمناء تنازل عن مناقشة هذا الاقتراح بعد موافقة السلطة التنفيذية على مقترح مجلس الأمناء بمد الإشراف القضائى على الانتخابات القادمة، وأول ذلك انتخابات الرئاسة 2024. وهو أمر محمود وإن أبقى الإشراف على صناديق الانتخاب دون كل ما هو خارج عن حدودها الجغرافية.
أما موضوع نقاشنا اليوم، فهو ما تناولته جلسات الحوار الوطنى الأحد الماضى بشأن عدد أعضاء البرلمان، وتفرغ النواب لمهام العضوية، وكان هناك توافق على زيادة عدد النواب، واستثناء البعض من التفرغ لمهام العضوية، لكون المناقشين ينتمى غالبيتهم العظمى للقوى المرشحة، ومن ثم فهى بالتأكيد صاحبة مصلحة فى زيادة العدد.
ولعل الغريب فى أمر زيادة عدد النواب أن هناك مشكلات كثيرة يمكن أن تصادف تلك الزيادة. فمن ناحية، ترغب الدولة مسايرة رغبات الناس بزيادة عدد النواب، كى ترضى وجهاء الجهويات لتولى مناصب برلمانية، يرافقها منحهم حصانات برلمانية. ويستند جميع من أيد الزيادة إلى زيادة عدد السكان، وهو ما دفع رئيس المحور السياسى أستاذ العلوم السياسية د.على الدين هلال أن يتحدث أمام المتناقشين مذكرا، بضرورة وضع حد للعلاقة بين زيادة عدد النواب وزيادة عدد السكان، وهو رد طبيعى منه على دعاوى الزيادة، وهى دعاوى تفترض أن برلمان الهند (لوك سابا) ذات ١.٤ مليار نسمة، والـ900 مليون ناخب، سيتجاوز عدد نوابه 5 آلاف عضو، رغم كون أن عدده 545 عضوا.
إضافة إلى ذلك، فإن زيادة عدد أعضاء أى برلمان تتناسب عكسيا مع فرص منح الكلمة بالبرلمان للأعضاء، وهو ما ثبت مرارا من كون برلمان مصر يوجد به عشرات الأعضاء لا ينطقون كل فصل تشريعى ببنت شفاه إلا عند حلف هؤلاء قسم العضوية (اليمين)، ناهيك عن أن هذا العدد الضخم ترافق مع كثرة غياب بعض أعضاء البرلمان فى مصر عن حضور الجلسات.
صحيح أن نواب برلمانات كثيرة دائما ما يشار إليها على أن عدد النواب بها كبير مقارنة بعدد السكان وعدد الناخبين، كمجلس العموم البريطانى والجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس الناب الإيطالى والمجلس النواب الإسبانى والبوندستاج الألمانى، إلا أن تلك المجالس النيابية تتسم صلاحيات النائب بها بالجدية والكثافة التى لا يمكن أن تقارن بعديد الدول النامية، التى وإن وجدت بها بعض من تلك الصلاحيات فإنها صلاحيات لا يستخدمها الأعضاء، ما يزيد من فجوة الخلل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لصالح الأولى.
أما بشأن قضية التفرغ، فقد عدد المتناقشين قواعد الاستثناء من التفرغ لعضوية البرلمان، حتى إن كل هؤلاء أصبح الاستثناء لديهم هو القاعدة، وقاعدة التفرغ التى أتى بها الدستور هى الاستثناء، ما يفرغ العضوية من أى جدوى، لأن الاستثناء من التفرغ يضرب مهمة النائب التشريعية والرقابية فى مقتل، ويجعل هناك تضاربا واضحا فى المصالح، ما يفضى فى النهاية إلى جعل بعض النواب تابعين إلى وزراء الحكومة يخطبون ودهم بسبب كون هؤلاء الوزراء هم فى الأصل مدراؤهم خارج البرلمان، وبسبب ركض هؤلاء خلف الوزراء لإنهاء مصالح الناخبين بالدوائر المختلفة، مع ما يفضى فى التحليل الأخير لتعليق مهام البرلمان، ومن ثم زيادة حدة الخلل فى التوازن بين السلطات.
وواقع الأمر أن هناك مشكلة وهى أن تكريس هذا الواقع أى (زيادة عدد النواب والاستثناء من التفرغ) يغيب مصلحة الناخب، الذى يسعى إلى تمثيله بنواب حقيقيين، خارج نطاق النواب الذين لا يمارسون حقوقهم تحت قبة البرلمان، وذلك كله لصالح القوى السياسية التى دائما ما تسعى لزيادة مكانة نخبها التى لا تتناسب مطلقا مع مكانة النظام الحزبى الضعيفة بداهة فى الشارع السياسى.