المرتزقة وعودة المماليك - داليا شمس - بوابة الشروق
الإثنين 25 نوفمبر 2024 2:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المرتزقة وعودة المماليك

نشر فى : السبت 15 يوليه 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : الأحد 16 يوليه 2017 - 1:00 م

تزداد يوما بعد يوم المساحات الرمادية ما بين الجيوش النظامية التقليدية وشركات الأمن والدفاع الخاصة والميليشيات التى تقاتل على الأرض، هنا وهناك. رسميا المفروض أن زمن المرتزقة قد ولى بعد الثورة الفرنسية وأنهم اختفوا تدريجيا خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، بعد انتشار الجيوش الوطنية وفرض الخدمة العسكرية على الشعوب، و ذلك بعد أن شهد المرتزقة أزهى عصورهم فى الفترة ما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر، عندما كان اللجوء لهذه الفئة من المقاتلين شيئا طبيعيا، يعطيهم الكثير من المكاسب والغنائم والقدرة على التأثير بالنسبة لمصير بعض البلدان، كما حدث فى مصر وسوريا مثلا حينما صار المماليك حكاما.

بالنظر إلى المعارك الدائرة حاليا من حولنا، يتكون لدينا انطباع أننا بصدد مرتزقة جدد، فقيل ضمن ما قيل إن القذافى قتل بوحشية على يد مرتزقة أفارقة بغض النظر عن الجهة التى أعطت الأوامر. وعلى مدار العام الماضى نشرت بعض الصحف والتقارير الأجنبية ما يفيد ــ والعهدة طبعا على الراوى ــ أن السعودية والإمارات لجأتا إلى قوات تابعة لشركة أمن ودفاع خاصة باسم «دين كورب» لكى تساعدها فى حرب اليمن، بموجب عقد قيمته ثلاثة مليارات دولار، ثم ترددت بعدها فى الدوائر اليمنية أنباء حول انسحاب هذه الشركة بسبب ما لحق بها من خسائر وحلت محلها شركة أمريكية أخرى باسم «أكاديمى»، عرفت فيما سبق باسم «بلاك ووتر»، وهى ضمن الشركات التى استعانت بها الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق. هذا الأخير يعطينا فرصة، بمجرد متابعة أخباره، للتعرف على عدد من شركات الأمن والدفاع الخاصة التى تعتمد عليها خارج حدودها، دون حرج، دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، فهذا سائد فى عالم الأنجلوساكسون خاصة بعد الميل إلى تقليص ميزانيات الدفاع وأعداد الجيوش خلال السنوات الأخيرة.

•••

بوصفه المختبر لما يحدث فى المنطقة، استقبل العراق منذ الغزو الأمريكى سنة 2003 العديد من شركات الدفاع والأمن الخاص، والتى غير بعضها أسماءه على إثر فضائح قتالية مثلما فعلت شركة «بلاك ووتر» بعد أن تعرض أربعة من مقاتليها بالفالوجة إلى الإعدام الغوغائى فى مارس 2004، وبعد تسببها خطأ فى إطلاق النار على 17 مدنيا عراقيا عام 2017، فمثل هذه الوقائع إضافة إلى فضيحة سجن أبوغريب كفيلة بأن تلفت الانتباه لأداء ووجود شركات الدفاع الخاصة على الأرض والتى لا يتوقف عملها عند المهام اللوجستية والإمداد أو الخدمات، بل هى شاركت أيضا فى العمليات القتالية المتعاقبة ووصل عددها أحيانا لحوالى 15 شركة فى العراق وحدها، وفقا لبعض التقديرات.

الأسماء تتغير والمقار الرئيسية والوجوه، وتظل أخطاء هؤلاء دون عقاب يذكر أو شفافية أمام حكومات هذه الدول، فبخلاف الميزات الاقتصادية أو النفقات التى توفرها عقود الدفاع المبرمة مع هذه الشركات مقابل تنفيذ مهام محددة فى أماكن ومدد زمنية محددة، يسمح التعاون معها باتباع سياسة «لا من شاف و لا من درى» أو التمتع بقدر كبير من السرية دون مناقشة أى من الأمور أمام البرلمان، فإذا أرادت دولة أن تبعث بجنودها النظاميين إلى خارج الحدود فالجميع سيعرف بذلك، أما إذا أرسلت موظفين تابعين لشركة دفاع خاص فلن يعرف الكثيرون، ولن تستأذن أحدا ولن يحاسبها أحد على خسائر الأرواح، فالمقاتل التابع للقطاع الخاص لا يحظى أبدا بمكانة وحقوق «الجندى ــ المواطن» الذى ينتمى لجيش نظامى يدافع عن الوطن.

•••

صحيح أن وضع جندى «القطاع الخاص» ملتبس، كما وضع من يسمون بالجهاديين والمقاتلين والميليشيات، وأن التعريفات المختلفة للمرتزقة التى جاءت فى المواثيق والاتفاقات الدولية لا تنطبق بدقة عليهم، (بوصفه مقاتلا بأجر سخى جدا يشارك فى القتال ببلد أجنبى، دون أن يكون مقيما فيه أو مبعوثا فى مهمة رسمية، ودون أن يكون طرفا فعليا معنيا بالنزاع)، إلا أن العديد من المراقبين والمحللين يطلقون عليهم «المرتزقة الجدد» ويعقدون المقارنات التى تحمل أوجها كثيرة من الشبه، حتى لو لم يستطيعوا تخيل ما سيكون دورهم فيما بعد، وهل سيشكلون عودة للمماليك بطريقة مختلفة أكثر حداثية أو تتناسب مع العصر.. وجود بل وانتشار نمط مختلف من المقاتلين على الساحة كأطراف فاعلة يستوجب الدراسة بجدية، خاصة إذا ما تابعنا تطور الظاهرة من منتصف الثمانينيات إلى التسعينيات وصولا إلى الألفينات، إذ شكلت حرب الخليج الأولى والثانية محطات مهمة بهذا الصدد يجب مقاربتها مما حدث منذ بداية التسعينيات فى كوسوفو والصومال وروندا ودارفور وسيراليون ويوغسلافيا سابقا. ثم نرى كيف تغير المشهد الأمنى وتوسع سوق شركات الدفاع وازدهاره فى ظل «الحرب على الإرهاب» منذ 11 سبتمبر 2001، وكيف ساعدت العولمة والاقتصاد الحر على تنامى هذه السوق، وكيف نشهد «صوملة» العديد من الدول على مدار السنوات الأخيرة وتفكيك جيوشها.

ننظر إلى العراق مجددا منذ مارس 2003 حين وصلت شركات الدفاع الخاصة إلى قطر تمهيدا لانطلاق القوات الأمريكية لغزو بغداد، مهدت لها الطريق، ووفرت لها الإمدادات اللازمة، ثم كان لها نصيبها ودورها بعد دخول العراق والتمكن منه. وبعدها بسنوات تم تفكيك الجيش العراقى، ولم يكن فى مقدور الحكومة العراقية الدفاع عن بلدها أمام زحف الدواعش سوى بالسماح بتكوين ميليشيات جيش الحشد الشعبى (حوالى 142 ألف مقاتل مقسمين إلى 50 مجموعة، بحسب المتحدث الرسمى لهذه الجيش). من المفترض طبعا أنهم من أبناء البلد، وأنهم متطوعون وليسوا مرتزقة، وأنهم خاضعون لسيطرة رئيس الوزراء حيدر العبادى، وأنهم أبلوا بلاء حسنا فى الموصل وغيرها، إلا أن ولاءاتهم بالأساس لزعامات شيعية مثل خامنئى والسيستانى ومقتدى الصدر، وسيحاولون قطعا استثمار نجاحهم القتالى وترجمته إلى ثمار سياسية، وهذا منطقى، فكل من هو موجود على الأرض سواء شركات خاصة أو ميليشيات أو مجاهدين سيشكلون ملامح المرحلة القادمة، ويجب التوقف عند تفاصيلهم كثيرا، بانتماءاتهم وتحالفاتهم وملكيتهم الخاصة، حتى لو كان من الصعب متابعتها عن بعد.

التعليقات