نختتم فى هذا المقال سلسلة المقالات التى كتبت منذ شهرين عن مشروع تطوير الريف المصرى، بالتطرق أخيرًا إلى المشروع الرئاسى القائم منذ عام 2019 تحت مسمى حياة كريمة، الهادف لإيصال الخدمات إلى القرى فى أكثر من 20 محافظة، والتى تتم عبر 3 مراحل تم تقسيمها وفقًا لمعدلات الفقر التى تراوحت من أقل من معدل فقر 50% إلى ما فوق الـ 70%. المرحلة الأولى اشتملت على قرى فى 11 محافظة وبدأت عام 18/2019، والمرحلة الثانية (الحالية) اشتملت على قرى فى 21 محافظة، وبدأ العمل بها منذ بدء الإعلان الرئاسى عنها فى 28 ديسمبر 2020.
اختيار القرى تم بموجب معايير تتعلق بالضعف فى وجود الخدمات الأساسية من صرف صحى ومياه شرب، وكذلك انخفاض نسبة التعليم وارتفاع كثافة الفصول، وسوء أحوال شبكات الطرق، وارتفاع نسبة الفقر، وشدة الاحتياج للخدمات الصحية لسد احتياجات الرعاية الاجتماعية، وغيرها من الأمور التى لا ينفى أن مواجهة التطرف والإرهاب كانت الهدف الرئيس أمام من يحدد القرى المستهدفة.
المشروعات القائمة بالأخص تركز على ما يسمى بالإسكان الكريم، ومواجهة الإعاقات، وتحسين خدمات الكهرباء، والغاز وغيرها، إلى أن يصل الأمر إلى تأسيس أحوزة صناعية وإنتاجية محدودة لتشغيل الشباب.
المشكلات الرئيسة التى يمكن حصرها فى هذا المشروع الضخم والمهم، تتعلق بعد أمور:
أولا: قلة التمويل:
إذ على الرغم مما هو مرصود من مبالغ ضخمة تصل لعشرات المليارات من الجنيهات، إلا أن الاحتياجات الكثيرة تجعل القائم على إدارة هذا المشروع يعمل بشكل انتقائى فيما يتصل بإيصال الخدمات وغيرها. جدير بالذكر أنه كان هناك منذ عدة سنوات المشروع القومى للتنمية الريفية المتكاملة (شروق)، وكان عبارة عن منحة من الخارج مخصصة لتطوير الريف، وكان المشروع انتقائيا من حيث الهدف أو طبيعة العمل، وكذلك من حيث القرى المستهدفة.
ثانيًا: الصراعات الأهلية:
تعتبر الصراعات والمنافسة بين سكان القرى المستهدفة من المشروع واحدة من أهم مشكلاته، إذ إن تلك الصراعات فحواها محاولة إثبات الأهالى أن قراهم هى الأولى بالرعاية عن القرى الأخرى، وأن مشروعات بعينها يحب البدء فيها عن مشروعات أخرى فى قرى أخرى. وقد يصل الأمر إلى حد المنافسة بين أبناء القرية الواحدة، بغية اتجاه المشروع لجهة محددة دون أخرى. ولا شك أن تلك المنافسات ناتجة عن حال الفقر الشديد فى الخدمات، والحرمان الكبير من مد القرى بالخدمات، ومن ثم التعطش لسرعة إيصال الخدمة قبل أن ينتهى المشروع ويغادر القرية، أو قبل ان ينتهى التمويل المخصص.
ثالثا: الرغبة فى الظهور والوجاهة الاجتماعية:
يرتبط بما سبق رغبة الكثير من وجهاء القرى والعصبيات داخلها فى الظهور أمام الأهالى بمظهر من ساعد وربما من قام بنفسه فى تقديم الخدمة عبر المشروع. وعلى أى حال، فإن مسألة الرغبة فى الاستحواذ على (الشو) إن جاز التعبير، تعد من الأمراض المعروفة فى حالات كثيرة مشابهة، ولا ينفى الغرض السياسى المستقبلى للبعض من هذا الـ (الشو).
رابعًا: أين الخدمات الأخرى؟:
على أن النقد الرئيس للمشروع الذى يمكن ذكره بشكل أساسى هو أنه يهتم بمشروعات محددة على حساب مشروعات أخرى. بعبارة أخرى، إن المشروع يهتم بالجانب الخدمى المتعلق بالاحتياجات الاجتماعية للناس عامة، أكثر من اهتمامهم بالجانب الاقتصادى. بعبارة أخرى، أن المشروع يهتم بأمور متصلة بالإسكان والصحة والتعليم، وكلها دون شك أمور فى غاية الأهمية فى تلك القرى الأكثر فقرًا على حساب الاهتمام بمشكلات الفلاح صاحب الأغلبية الكاسحة أو النشاط الرئيس فى تلك القرى وهو الزراعة. أى أن هناك رغبة فى أن يكون للمشروع عناية بقضايا الفلاح كالأسمدة والبذور وتسعير الحاصلات الزراعية وفتح باب التصدير الخارجى لها ومقاومة الآفات الزراعية ودورات الرى فى ظل شح المياه.. وغيرها من قضايا وأمور يكون الاهتمام بها بمثابة مد يد العون للفلاح للمساعدة على تأمين قوت يومه.
خامسًا: الإدارة:
تبدو الأمور الإدارية واحدة من أقل المشكلات التى يعانى منها المشروع، إذ من خلال اللجان الكثيرة للمتابعة والمراقبة، يتم سير العمل بنجاح فى المشروع، الذى يعتمد على رقابة كل مجموعة على الأخرى، مع جعل مجلس الوزراء رقيبًا على إدارة العمل. على أن الخشية فقط أن تكون المبالغة فى الأمور البيروقراطية معوقة للأداء، وهو ما لم يثبت حتى الآن.