بيان الحكومة أمام البرلمان - مدحت نافع - بوابة الشروق
الأحد 8 سبتمبر 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بيان الحكومة أمام البرلمان

نشر فى : الإثنين 15 يوليه 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يوليه 2024 - 7:10 م


منذ أيام قام الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بإلقاء بيان الحكومة أمام البرلمان. البيان جاء موجزًا، يجمع فى خطوط عريضة أهم ملامح البرنامج الحكومى التفصيلى الذى جاء فى 276 صفحة، والذى تعكف على دراسته لجنة برلمانية برئاسة السيد وكيل المجلس، تمهيدًا لطرحه على نوّاب الشعب، لاتخاذ قرار بشأنه وبشأن منح الثقة فى الحكومة بتشكيلها الجديد.
وقد أسست الحكومة برنامجها على مستهدفات رؤية مصر ٢٠٣٠، وتوصيات جلسات الحوار الوطنى، ومختلف الاستراتيجيات الوطنية، والبرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية. واستند البرنامج على عدد من المحاور والممكّنات، فى ظل تحديات دولية وإقليمية.
العودة إلى رؤية مصر 2030 بعدما تراءى للكثيرين أنها كانت شبه مهجورة من قبل الحكومة السابقة، هى خطوة إيجابية، تعزز من أهمية العمل المؤسسى المستدام المؤطّر للاستراتيجيات والخطط المرحلية، خاصة أن تلك الرؤية كانت مؤيدة بالكثير من الحلقات النقاشية وإسهامات الخبراء والمتخصصين، ومعززة بمؤشرات كمية لمتابعة وتقييم الأداء. وإذا كانت رؤية الإصلاح تحتاج إلى مراجعة لتمتد إلى فترة أطول، مع اقتراب حلول عام 2030، فإنه لا بأس من تقييم مسار الأداء الحكومى والخاص فى مختلف المؤشرات، قبل تحديث تلك الرؤية. وقد قامت بعض الدول بمراجعة رؤية 2030 لإعادة تحديد المستهدفات، وذلك كونها قد حققت تلك المستهدفات بالفعل قبل حلول أجلها بأعوام، وذلك ما حدث فى التجربة السعودية.
أما نتائج جلسات الحوار الوطنى فهى تصلح كإطار عام للعديد من البرامج، خاصة وقد صيغ معظمها بأسلوب شديد العمومية، التماسًا للتوافق بين الفرقاء السياسيين والخبراء متعددى المشارب والمدارس الاقتصادية. وهنا يمكن تسكين أى مستهدف حكومى ضمن متطلبات الحوار الوطنى بكل أريحية. الأمر ذاته يمكن قوله على ما وصف بأنه «مختلف الاستراتيجيات الوطنية» فهو وصف فضفاض حمّال أوجه. أما المقصود بالبرنامج الوطنى للإصلاحات الهيكلية فلا أحسبه يخرج عن وثيقة سياسة ملكية الدولة، وبرنامج الإصلاح الموقّع مع صندوق النقد الدولى، والذى يمكن أن يستخدم كمرجعية لبرنامج الحكومة، كما يمكن أن نراه قيدًا على ذلك البرنامج كما سيلى إيضاحه.
• • •
وتتعدد الأركان التى يستند إليها برنامج الحكومة لتشمل أربعة محاور رئيسة وعدد من المحاور الفرعية، بيانها كالتالى:
أولًا: حماية الأمن القومى وسياسة مصر الخارجية، وثانيًا: بناء الإنسان المصرى وتعزيز رفاهيته، وثالثًا: بناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، ورابعًا: تحقيق الاستقرار السياسى والتماسُك الوطنى. وبحكم الاهتمام بالمحور الاقتصادى، وعلى الرغم من تقاطعه مع سائر المحاور، فقد انتبهت إلى المحاور الثلاثة الفرعية التى يشتمل عليها وهي: ترسيخ دعائم النهوض الاقتصادى، وتمكين القطاع الخاص، وضبط الأسعار والحدُّ من التضخم.. وذلك كله فى سبيل «تحسين واقع حياة المواطن بجميع جوانبها، والانتقال إلى مرحلة جديدة من التطوير المستدام الذى يضع وطنَنَا فى المكانة التى تليق به» كما ورد على لسان السيد رئيس مجلس الوزراء.
ويبدو من تلك المحاور أنها تنهل بشكل واضح من أهداف رؤية 2030، والتى تتكون من: جودة الحياة ومستوى المعيشة، العدالة الاجتماعية والمساواة، نظام بيئى متكامل ومستدام، اقتصاد متنوّع معرفى تنافسى، بنية تحتية متطوّرة، الحوكمة والشراكات. علمًا بأن حماية الأمن القومى كانت فى مقدمة خطاب التكليف الرئاسى للحكومة، والذى أحسبه أحد أهم مرتكزات البرنامج الحكومى ولو أنه لم يذكر بشكل صريح بين المرجعيات المشار إليها آنفًا فى كلمة الدكتور مدبولى.
• • •
وإذا كانت كلمة الدكتور مدبولى أمام البرلمان قد خلت من التفاصيل والمؤشرات الرقمية إلا فى أضيق الحدود، فإن بعض تلك المؤشرات قد جاء بكثير من التفصيل بلا مبرر واضح فى السياق، حتى تراءى لى أن الكلمة لم تكن متوازنة فى تناولها لمختلف الملفات والمستهدفات. لكن يمكن تبرير ذلك بعاملين: أولًا عدم توافر الوقت الكافى للحكومة فى تشكيلها الجديد لصياغة برنامج متكامل، فعمدت إلى ما هو متاح من مستهدفات لدى كل وزير، خاصة الوزراء المستمرين فى مقاعدهم الوزارية، والذين توافرت لديهم بعض المؤشرات الرقمية. مثال ذلك، ما نصه «تكوين شراكات استراتيجية مع كبرى شركات إدارة وتشغيل محطات الحاويات العالمية والخطوط الملاحية العالمية، لضمان وصول وتردد أكبر عدد ممكن من السفن العالمية على الموانئ المصرية، واستكمال مخطط تنفيذ إنشاء عدد 31 ميناءً جافا ومنطقة لوجستية على مستوى الجمهورية» و«خطة استثمارية لتوطين وتعميق الصناعة المحلية لنحو 152 فرصة استثمارية» ولا أعرف دلالة واضحة لرقم 152 فرصة استثمارية فى هذا السياق، ولم يتح الوقت لتفسيرها على أية حال.
كما يمكن أن يعزى عدم الموائمة بين التفصيل والإجمال فى كلمة السيد رئيس مجلس الوزراء، إلى حرص الحكومة على تسليط الضوء على بعض المؤشرات ذات الاتصال المباشر بالمواطن واهتماماته، كما فى عبارة «كما سيعمل البرنامج على ضمان التمكين الاقتصادى والتنمية المكانية المتوازنة؛ فمن المستهدف خفض فجوة النوع فى سوق العمل ورفع نسبة مشاركة الإناث فى القوى العاملة إلى 19% بحلول عام 2026/2027، وزيادة معدلات التشغيل إلى ما لا يقل عن 37% فى محافظات الوجه القبلى، و45% فى المحافظات الحدودية».
لكن أهم ما غاب عن الكلمة وربما البرنامج إجمالًا، هو الضرورة الملحة لتقسيم البرنامج إلى خطة عاجلة مداها عام على الأكثر وخطة أخرى أطول أمدًا، وذلك ليس من أجل تحقيق مكاسب سريعة أو التعامل المبتكر مع التحديات والأزمات الآنية فقط، لكن لمواكبة قيد دستورى مهم يحد من قدرة الحكومة على الاستمرار لإنجاز البرنامج حتى وإن أقره البرلمان، وذلك كما سيلى بيانه لاحقًا. كذلك كان لتعدد مصادر البرنامج أثر بالغ على اتساق الرؤية وتماسكها، وانعكس ذلك بشكل جليّ فى تحديد الأولويات الوطنية وتمييزها عن تلك التى تفرضها التحديات الطارئة والالتزامات الدولية. ولم أتمكّن من الوقوف بوضوح على رؤية حكومية لإعادة توزيع الدخل والثروة بصورة تحقق مزيدًا من التوازن والاستقرار المجتمعى، إذ ظل معدّل النمو الذى يزيد على 5% فى متوسط الفترة حاكمًا للمستهدفات الكلية دون كفاءة التوزيع.
• • •
الحكومة الجديدة مقيدة بأكثر من قيد؛ فهى مقيدة أولًا بقيد الموازنة العامة، التى وضعت للعام المالى 2024/2025 من قبل فريق عمل آخر، وأصبحت ملزمة للحكومة فى تشكيلها الجديد، بعدما أقرها البرلمان. يرتبط بهذا القيد، تقييد كبير فى حجم ما هو متاح من استخدامات الموازنة العامة، بعد أن تلتهم خدمة الدين نحو 62% من تلك الاستخدامات ونحو 48,5% من المصروفات. والقيد الثانى هو قيد دستورى يجعل عمر تلك الحكومة قصيرًا، إذ ترتبط وجودًا وعدمًا بعمر البرلمان الذى لم يتبق فيه إلا القليل. إذن فالحكومة التى وضعت برنامجًا من ثلاث سنوات، ربما لا يتاح لها سوى نحو من ثلث تلك الفترة قبل أن ينتهى عمرها الدستورى. القيد الثالث هو قيد برنامج الإصلاح الذى تم توقيعه مع صندوق النقد الدولى، وهو يرتكز على عدد من القيود المتعلقة بالإنفاق والشفافية وسداد الديون والإصلاح الهيكلى والمؤسسى.. وذلك كله وفق مؤشرات كمية دقيقة، تحد من مرونة الحركة الحكومية أمام تلك الالتزامات قبل الصندوق، وتهدد بوقف صرف الدفعات المتبقية من القرض (البالغ نحو 8 مليارات دولار حتى نهاية عام 2026) فى أى مرحلة يرى مسئولو الصندوق أن الحكومة قد حادت عن الاتفاق.
بقى فى الختام أن ننتبه إلى أن صندوق النقد الدولى الذى يرتبط الاتفاق معه بحزمة كبيرة من التدفقات تبلغ فى مجملها نحو 57 مليار دولار من صفقة رأس الحكمة، والاتحاد الأوروبى والبنك الدولى.. يجب أن تشكّل لمتابعة برنامجه لجنة غير حكومية (كما ناديت مرارًا) أسوة بتلك اللجنة التى شكّلت فى سيريلانكا، ومكّنتها الحكومة من الوصول إلى البيانات. تبدو أهمية تلك اللجنة فى أنها تراعى المصلحة العامة دون التباس بالاعتبارات السياسية، وأنها لا بد أن تجد آذانًا صاغية من فريق عمل الصندوق، إذ إنها تعمد إلى خطاب علمى متزن، يخفف من الضغط على المفاوض الحكومى الرسمى، دون منازعته فى اتخاذ القرار أو إنفاذ السياسات. كذلك فقد بات واضحًا أن الصندوق ينصت إلى آراء الخبراء الوطنيين الأقرب إلى الشارع، وذلك يعكسه التواصل مع هؤلاء الخبراء والتماس مشورتهم، فضلًا عن تأثير خطابهم على الخطاب الرسمى لمديرة الصندوق، والتى أعربت مؤخرًا عن نيتها مراجعة شروط تكلفة قروض دول مثل مصر وأوكرانيا والأرجنتين.. وكان ذلك مطلبًا رددته أكثر من مرة (وأعتقد أن الكثيرين حول العالم قد انحازوا له)، وأحيل القارئ الكريم إلى مقطع من مقال لى فى المصرى اليوم بتاريخ 4 مايو 2024 (أى قبل تصريح مديرة الصندوق) ورد فيه «ولأن الصندوق هو أحد أكبر الأطراف الدائنة، ولأنه يتوقع من مصر سداد خدمة دين تبلغ 10.3 خلال عامين فقط! فإنه يدرك مساهمته بشكل كبير فى تقييد حركة الاقتصاد، خاصة أنه يحصل بالفعل من دول مثل مصر والأرجنتين على معدلات فائدة إضافية، بسبب تخطى حجم القروض الممنوحة لتلك الدول حصصها بمضاعفات محددة».

 

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات