لن يستطيع الرئيس عبدالفتاح السيسى إقناع مؤيديه قبل معارضيه، بأن خطته للحصول على قروض تبلغ قيمته 21 مليار دولار أكثر من نصفها من صندوق النقد، هى الحل المتاح الوحيد لمواجهة أزماتنا الاقتصادية المتفاقمة، إلا بعد تقديم كشف حساب واضح ودقيق لكل التصريحات التى أطلقها، ولكل السياسات التى انتهجها خلال العامين الماضيين، وهل هناك أخطاء حدثت؟ وكيف يمكن تداركها أو احتواء آثارها؟ وهل هناك طرق بديلة ينبغى الشروع فورا فى اتباعها قبل أن يحدث ما هو أسوأ؟!
بلغة الأرقام المجردة، تراجع الاحتياطى الأجنبى من 36 مليار دولار إلى أكثر قليلا من 15 مليار، وتعدى سعر صرف الدولار حاجز الـ 12 جنيها بعد أن كان 7 جنيهات فقط، والدين الداخلى الذى كان 1200 مليار جنيه تجاوز 3000 مليار جنيه، أما الدين الخارجى فقد ارتفع طبقا لبيانات البنك المركزى إلى 53.4 مليار دولار فى نهاية مارس الماضى بنسبة 16.5% من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل 39.8 مليار دولار فى الشهر نفسه من عام 2015، بزيادة قدرها 13.6 مليار دولار خلال عام واحد فقط.
هذه الأرقام التى تتناقض تماما مع تصريحات الرئيس قبيل انتخابه، بأنه خلال عامين سيشعر المصريون بتحسن فى الأوضاع، وأن مصر «هتبقى أد الدنيا»، تفرض عليه أن يشرح لجمهور ناخبيه لماذا لم تتحقق هذه الوعود؟ وما هى العراقيل التى واجهها الرئيس وحكوماته؟ ثم ما الذى يضمن للمصريين أن قرض صندوق النقد الدولى سوف يحل أزماتنا الاقتصادية؟ وما هى الفترة التى ينبغى أن يتحمل المصريون خلالها موجات رفع الأسعار والخدمات الأساسية حتى يشعروا بتحسن فى مستوى المعيشة؟ وما هى الضمانات التى يقدمها لهم الرئيس ليتأكدوا بأن وعوده حول «الاصلاح الاقتصادى» سوف تأتى بنتائج حقيقية هذه المرة، ولن تكون مجرد أمنيات لا تتحقق؟
شروط الصندوق للحصول على القرض، ستجعل كل فئات الطبقات الوسطى والفقيرة، على حافة الجوع الحقيقى بدون أى مبالغة، وهو أمر لا يبدو أن الرئيس وحكومته يدركون تداعياته على زيادة رقعة الاحتجاجات الاجتماعية التى تعيد ذكريات انتفاضة 1977 إلى الذاكرة، والتى أجبرت الرئيس أنور السادات على التراجع فورا عن تطبيق وصايا الصندوق برفع الأسعار وتخفيض الدعم على بعض السلع الأساسية، وهو اختيار لن يكون سهلا على الرئيس السيسى، بل ربما لا يكون مطروحا من الأساس، بعد كل الأسباب التى سردها حول أهمية القرض.
ما يطلبه الرئيس من المصريين أكثر من قدرتهم على الاحتمال، ولا يوجد خطاب سياسى ــ ولا أقول برنامجا سياسيا – يشركهم بشكل ديمقراطى فى اتخاذ هذه القرارات الاقتصادية الصعبة التى تتضمن موجات جديدة من ارتفاعات فى الأسعار، مع التوسع فى فرض الضرائب، والتهديد بوقف التعيينات الحكومية، بل وتسريح مئات الآلاف من موظفى الدولة، وخصخصة العديد من الشركات الكبرى وبيع بعض أصولها فى البورصة، وتعويم الجنيه، مع رفض رئاسى قاطع برفع الأجور أو المعاشات!
حكومة الرئيس التى تتحجج بأن رفع الأسعار الذى يشمل كل السلع والخدمات الأساسية لا يتعدى السعر العالمى لها، تتجاهل حقنا كمستهلكين فى الحصول على أجور عالمية فى المقابل، كما تتجاهل أيضا اتخاذ أى خطوات جادة لعلاج ميزانيتها المنهارة، مثل ضم مليارات الصناديق الخاصة، والحد من الاستهلاك الترفى، وفرض الضرائب التصاعدية على الأجور والأرباح، وعلى الشركات المطروحة فى البورصة، وتشغيل مئات إن لم يكن آلاف المصانع المعطلة، وغيرها من الإجراءات التى يمكن أن تحد من وطأة الأزمة الاقتصادية التى نواجهها.
برنامج التقشف التى تطرحه الحكومة سوف يواجه معارضة شعبية ستزداد بمرور الوقت، وربما لا يستطيع أحد التكهن بما سوف تصير إليه هذه المعارضة، ولكن كل المؤشرات تكاد تؤكد ان السلطة فى مصر بخطابها السياسى الراهن لن تستطيع أن تتحمل بسهولة تداعيات الغضب الذى يتراكم فى صدور ملايين المصريين، خاصة أن القرارات الأصعب لم يأت وقتها بعد!