استخدام الجيش الإسرائيلى المدنيين الغزيين دروعا بشرية يُضعف حملة إسرائيل ضد «حماس» - من الصحافة الإسرائيلية - بوابة الشروق
الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

استخدام الجيش الإسرائيلى المدنيين الغزيين دروعا بشرية يُضعف حملة إسرائيل ضد «حماس»

نشر فى : الخميس 15 أغسطس 2024 - 7:50 م | آخر تحديث : الخميس 15 أغسطس 2024 - 7:50 م


إن استخدام الجيش الإسرائيلى الغزّيين دروعا بشرية، والذى كشف عنه تحقيق «هآرتس»، لا يمكن تبريره بالتفسيرات التى كان الجيش قد قدمها فى بداية هذه الألفية. فهذه الممارسات تتعارض مع القانون الدولى، وكذلك مع قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، الصادر فى سنة 2005، والذى حظر استخدام «إجراء الجار» و«إجراء التحذير المبكر» فى الضفة الغربية. ونتيجة هذا القرار، فُرض حظر واضح على هذه الممارسات فى كتيّب أوامر وتعليمات الجيش.
إن المنطق الكامن خلف استخدام الفلسطينيين لتفتيش ومسح الأنفاق واضح: من الأفضل تعريض حياة الغزّيين للخطر، بدلاً من حياة جنودنا، حتى لو كان الغزّى مدنيا، وليس مقاتلاً. ومع ذلك، فإن هذا هو بالتحديد ما ينبغى منعه، وفقا للأسباب التى ذكرناها. يتمثل الهدف الأساسى من القانون الدولى فى حماية المدنيين غير الضالعين فى القتال، والحفاظ على إنسانيتهم، حتى فى الحرب. لكن استخدام المدنيين دروعا بشرية يؤدى إلى العكس تماما، فهو يعرّضهم لخطر الموت، رغما عنهم. والدليل على ذلك هو أن الجيش فى ردّه على التحقيق فى «هآرتس» لم يحاول الادّعاء أن هذه الممارسة قانونية، بل أكد أنها تتعارض مع أوامر الجيش، ومن الجيد أن الأمر على هذا النحو.
إذا كان هناك حاجة إلى دليل على وضوح هذا الحظر، يجب علينا أن نفكر فى الحالة المعاكسة: لنفترض أن جيشا أجنبيا يحتل أرضنا، ويقوم باستخدامنا دروعا بشرية. ما الذى كنا سنفكر فيه حينها ونقوله؟ زد على ذلك أن إحدى الحجج الرئيسية التى تتبناها إسرائيل ضد «حماس»، هى أنها تستخدم مدنييها دروعا بشرية بصورة غير قانونية، ألا نفقد ركيزتنا فى هذه الحجة «العادلة والمهمة»، على المستوى القانونى والأخلاقى الدولى، إن كنا نتصرف بطريقة مشابهة؟ الآن، دعونا نفكر فى غزّى نجح فى الفرار من مصيره كدرع بشرى لحركة «حماس»، ويجد نفسه مضطرا إلى أن يصبح درعا بشريا للجيش الإسرائيلى هذه المرة.
يُطرح فى هذا السياق سؤالان رئيسيان: الأول، يتعلق بمسئولية القيادة، بما فى ذلك القيادة العليا، عن هذه الأفعال التى يقال إنها ليست حالات استثنائية، أو قليلة، ولا تُخفى عن عيون الضباط الكبار. فى الثقافة التنظيمية لأى مؤسسة هرمية، والجيش كمثال واضح لمؤسسة كهذه، عندما يتكون انطباع بأن القادة الذين يعلمون بسلوك معين، أو يشكّون فى حدوثه، لا يفعلون شيئا لإدانته ووقفه، فإن الرسالة التى تصل إلى المرءوسين هى أن هذه الأفعال مسموحة. لذلك، فإن القادة الذين يعلمون ويتجاهلون، بهدف الحفاظ على «نظافة أيديهم»، يتحملون المسئولية الكاملة عن أفعال مرءوسيهم كما لو كانوا قد أصدروا أوامر صريحة بتنفيذها.
من حيث خطورة السلوك، تُعتبر مسئولية القادة، الذين من واجبهم التأكد من أن عمل مرءوسيهم يجرى فى إطار القانون، والذين يتمتعون بالسلطة لمنع ارتكاب أفعال منافية للقانون، أثقل من مسئولية الجنود الذين ينفّذونها. فالقائد الذى يقدر على منع وإيقاف هذه الأفعال، لكنه يمتنع من ذلك، يتحمل مسئولية أكبر من مسئولية مرءوسيه الذين انحرفوا، والذين يتحملون أيضا مسئولية أفعالهم المحظورة. يجب ألّا تقتصر التحقيقات فى هذه الأحداث على المنفّذين فقط. يجب التحقيق فى سلوك التسلسل القيادى، وصولاً إلى المستويات العليا، من أجل محاسبة جميع المشاركين، سواء بالإيحاء، أو بالسكوت، أو التقاعس عن العمل، على خلفية علمهم، أو شكوكهم التى لم يكلفوا أنفسهم عناء التحقق منها.
• • •
السؤال الأكثر أهميةً هو كيف انتهى الأمر بالجيش إلى هذا الوضع، ليس فى هذا السياق فقط، بل فى مسائل أُخرى أيضا، مثل التعامل مع العدو الذى استسلم، أو تم تحييده. إن حلقة الذين يتحملون المسئولية الأخلاقية شديدة الاتساع، وجذور المشكلة تكمن فى رفض التمييز الضرورى بين الغزّيين المشاركين فى القتال ضدنا، والآخرين الذين لا يشاركون فى القتال. من ضمن التصريحات التى أصبحت شائعة جدا، بعد السابع من أكتوبر، عبارات مثل «لا يوجد أبرياء فى غزة»، و«جميع الغزّيين أعداء يجب قتلهم»، وغيرها من مقولات، وإلى جانبها، فكرة تجويع سكان غزة بالكامل، الأمر الذى قد يورط إسرائيل فى إبادة جماعية.
لقد تكررت هذه الأحاديث من على كل منبر، مرارا وتكرارا، ولم تصدر فقط عن شخصيات هامشية، بل تبناها أيضا محللون رفيعو المقام. وفى مواجهة هذا الفيضان من محاولات نزع الإنسانية عن سكان غزة جميعا، لم تكن الأصوات المعارضة والمحتجة سوى همسات ضعيفة. أمّا القيادة السياسية، التى كان من المفترض أن تكون مثالاً يُحتذى به، فقد انضمت إلى جوقة الجماهير، أو لاذت بالصمت. ومع ذلك، فإن الجيش لا يعمل فى الفراغ. وحتى عندما يكون الجيش فى غزة، فإن قلبه يبقى فى إسرائيل، ومن الواضح أن ما قيل على كل منبر كان له تأثير مدمّر، لقد أربك المسار الصحيح.
مَن جعل بن غفير وسموتريتش وزراء كبارا فى الحكومة، هو الذى شجع على نزع الإنسانية عن المجتمع الإسرائيلى نفسه. وفى الحساب الحقيقى، لن ينجو أيضا كلّ مَن هيّأ الأرض لاستخدام البشر كأدوات فى آلة الحرب. المجتمع الإسرائيلى كله مطالب بتطهير نفسه من هذه النزعة التى اكتسحته، المتمثلة فى نزع الإنسانية عن الآخر، والتى تقبل التعاون مع أشرّ الأشرار، ما دامت الضحية عربية. هذا التحدى المفروض على المجتمع بأسره، وبصورة خاصة على الجهاز التربوى، كبير للغاية، ويتطلب قيادة تربوية مختلفة تماما عن القائمة حاليا.
ليس من المستغرب أن تكون هذه الطريقة السيئة فى استخدام المدنيين دروعا بشرية بدأت فى الضفة الغربية. ففى حالة الاحتلال، ما من فائدة لأى أحكام قضائية، لأن المحتل سيجد دائما تبريرا لسيطرته على الآخرين، باعتبارهم أعداء وأدنى مرتبةً. من هنا، تبدأ الخطيئة، ومن هنا، تتشكل التربة الفاسدة التى تثمر فى النهاية اضطهادا ممنهجا للفلسطينيين، ومدعوما من الدولة، وكذلك استخدام البشر دروعا بشرية.

مردخاى كرمنيتسر
هآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية

التعليقات