كثرت قصص الاستيلاء على الأراضى، أو دفع الإتاوات للحفاظ عليها، خاصة فى محافظات الصعيد، تحت ستار من البلطجة والحيل القانونية. ويقف الضحايا مكتوفى الأيدى، وكثير منهم من الأقباط، والسبب بسيط أن البلطجية ينظرون إليهم نظرة استضعاف.
الأمثلة على ذلك كثيرة. فى القصة التى يرويها لى الاستاذ يسرى زكى جرجس المحاسب العجب العجاب كما يقال.
يمتلك هو وأشقاؤه عقارين فى شارع الجلاء ــ قسم ثان أسيوط، ولديهم كافة الأوراق التى تثبت الملكية منذ عقود، بما فى ذلك التسجيل فى الشهر العقارى عام 1988م. كان له شقيق أكبر مسن يعيش بمفرده فى شقة بأحد العقارين، وقد فوجئوا لأيام بأنه لا يتصل بهم، ولا يرد على اتصالاتهم، فما كان بهم سوى إبلاغ الشرطة التى ذهبت إلى منزله، وكسرت الباب، ووجدته ميتا، والجثة فى حالة تعفن. وعند معاينة مفتش الصحة لجثة المرحوم فيليب زكى جرجس فى 3 أكتوبر الماضى، ذكر أن الوفاة تسبق هذا التاريخ بعشرة أيام نظرا لتحللها.
وبعد أن قامت الأسرة بتلقى العزاء يوم 4 أكتوبر، فوجئت بمجموعة من الأفراد يقتحمون العقارين ويستقرون بهما بدعوى أن المرحوم قام ببيع العقارين لهما بتاريخ 30 سبتمبر، وقاموا بإيداع صحيفة دعوى إثبات صحة توقيع البائع على العقد فى المحكمة.
الأسئلة كثيرة: المتوفى لا يملك وحده العقارين حتى يبيعهما، فضلا عن أنه فى التاريخ المشار إليه أثبت مفتش الصحة أنه كان متوفيا، ولم يكن على قيد الحياة حتى يبيع ممتلكاته هو وأسرته. إذا كان المغتصبون اشتروا العقارين بالفعل، ألم يكن أجدر بهم أن يحصلوا على كافة مستندات الملكية من البائع، ولاسيما أنها ملكية مسجلة، ولها أوراق متراكمة على مدار عقود؟ وإذا كان المغتصبون اشتروا الأراضى، لماذا لم يتسلموا ممتلكاتهم من البائع، ووضع اليد عليها دون انتظار وفاته الغريبة؟
القضية واضحة، وعادة ما تكون «البلطجة» هى الحل للدفاع عن الممتلكات الخاصة، وبالطبع ليس كل الناس فى مقدورهم ذلك أو يرغبون فى ذلك، وتكون النتيجة ضياع الحقوق، أو على أحسن تقدير بيع الممتلكات سواء كانت أراضى أو عقارات بثمن بخس للمغتصبين.
المشكلة أن عقود «صحة التوقيع» يسهل إجراؤها، والحصول عليها حتى إن لم يقر البائع بصحة توقيعه فى المحكمة طالما أنه أُعلن مرتين، ونحن جميعا نعلم أن الإعلانات القضائية لا تذهب لأصحابها فى بعض الأحيان، أو قد يحدث تحايل بشأنها. المدن الجديدة لا تقبل فى حالات نقل الملكية من شخص لآخر إلا بتوكيل «خاص» يبرمه الطرفان، البائع والمشترى، ولا يُلغى إلا بحضور الطرفين معا، وهو إجراء ينبغى تعميمه طالما أننا نتحدث عن أرض مسجلة بالشهر العقارى.
نعود إلى المحاسب يسرى زكى جرجس واشقائه الذين تغتصب ممتلكاتهم ــ المسجلة بالشهر العقارى ــ أمام أعينهم، ويصبح عليهم أن يثبتوا حقهم فى مواجهة من اغتصب حقهم أو يضطروا لبيع الممتلكات بأثمان لا تناسب قيمتها الحقيقية. قدموا بلاغات، وأرسلوا تلغرافات، ولم يتركوا إجراء لم يفعلوه، سوى عدم استجابتهم لدعوة المغتصبين «تعالوا نتفاهم».
هل نطمح أن تساعدهم الدولة فى استرداد حقهم؟