حظيت أخيرا بشرف زيارة سلطنة عمان التى تمنيت دائما زيارتها لأنعم بطبيعتها الساحرة الخلابة وبالسلوك الطيب لأهلها الرائعين وقد جاءت الزيارة عند توقعاتى تماما ونعمت فيها بأوقات ممتعة وصحبة نخبة ثقافية رفيعة المستوى.
جاءت الزيارة بمناسبة الاعلان عن الفائزين بجائزة السلطان قابوس بن سعيد للثقافة والفنون والآداب وهذه الجائزة بخلاف قيمتها المعنوية تعد أرفع جائزة عربية من حيث القيمة المالية وتم إطلاقها بمرسوم سلطانى صدر فى فبراير من العام 2011
تمنح الجائزة بالتناوب دوريا كل سنتين؛ بحيث تكون فى عام لكل المشاركين العرب وفى العام الذى يليه يتنافس على نيلها العُمانيون فقط وتبلغ قيمتها المالية فى (النسخة المحلية) خمسون ألف ريال عمانى، وفى النسخة التى يتقدم لها المبدعون العرب تتضاعف قيمتها لتصل إلى 100 ألف ريال عمانى (1 ريال عمانى = 63.5199 جنيه مصرى) ومعها وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب.
وكانت جوائز هذه الدورة للعمانيين بعد توقف الجائزة خلال فترة جائحة كورونا.
ويبدو لى أن اطلاق الجائزة فى عام 2011 بكل ما شهده من احتجاجات وانتفاضات جماهيرية فى عدة بلدان عربية ساهم إلى حد كبير فى جعلها بعيدة عن نظر المهتمين بالجوائز العربية والمتابعين لشأنها وهو شأن مهم فى ثقافتنا المعاصرة.
وقد اعتدنا فى السنوات الأخيرة أن يشكو المبدعون والمفكرون العرب من غياب مختلف أشكال التقديرفى بلدانهم خصوصا، وتصر الغالبية منهم على اعلان تحفظها حول معايير منح الجوائز والاعتقاد الدائم بأن التقدير والفوز بالجوائز المحلية يستلزم بالضرورة شبكة معقدة من العلاقات أو رضا ذوى السلطان والنفوذ أو تبنى خيار غير مستقيم يجعل الجوائز تذهب دائما لغير مستحقيها، ومن ثم أصبحت غالبية الجوائز المحلية إما سيئة السمعة أو غير ذات أهمية فى ظل تدنى واضح لقيمتها المالية.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة أصبحت الجوائز التى تمنح من بلدان أخرى أقرب ما تكون إلى «مناسبات إنصاف» ومكافأة على عطاء ممتد لسنوات طويلة وربما جاءت ردا على صور الانكار المحلى التى يعانى منها المبدعون الذين تتسم مواقفهم بالاستقلال والنأى عن ساحات الابتذال.
وليس ما نشهده سنويا من حملات اهتمام وانتقاد للجوائز العربية التى شاعت خلال العشرين عاما الأخيرة إلا تعبيرا عن هذه المفارقة.
وأظن أن الجائزة العمانية الطموحة قد تمثل مهربا مثاليا لهؤلاء الذين يتحسسون من الفوز بجوائز تمنحها دول أخرى، فالسياسة العمانية صارت طوال تاريخها فى مسار مختلف جعلها بمعزل عن المشكلات والأزمات التى تدخلها بقية دول المنطقة.
وربما لهذا السبب لا يتحفظ أحد على التقدم للجائزة، خاصة وقد نالتها الكثير من الأسماء ذات العطاء المتميز وتشير لائحة الفائزين إلى الكثيرمن هؤلاء ذوى الإنتاج الرفيع من أمثال المفكر الراحل جلال أمين والمفكر المغربى عبدالاله بلقيز والتونسى عبدالسلام المسدى والناقد السعودى سعد البازعى والفنان على الحجار والشاعر باسم الفرات، بالإضافة إلى أسماء عمانية أخرى لها وزنها الكبير من أمثال الشاعرالكبير سيف الرحبى والقاص محمود الرحبى والكاتبة منى حبراس والروائية جوخة الحارثى التى وصلتها الجائزة عام 2016 أى قبل أن تحظى بجائزة البوكر البريطانية بثلاثة أعوام وفى هذا إشارة دالة على جودة المعاييرالتى تعتمدها الجائزة.
وأدعو شخصيا المبدعين العرب والمصريين للتقدم للجائزة فى دوراتها المقبلة، كما أدعو هيئتها المنظمة لإجراء تقييم واسع للدورات التسع السابقة وذلك قبل أن تدخل الجائزة دورتها العاشرة، كما اقترح إعادة هيكلة أذرعها الإعلامية ليصبح حضورها ملائما لقيمتها الرفيعة كما أدعو إلى توسيع دائرة اختيار المحكمين لتحظى بأسماء أكثر فاعلية تنتقل معها الجائزة إلى فضاء أكثر اتساعا وتأثيرا.