نكتب هذا المقال تحية إلى أسماء المخرجين الذين عملوا فى السينما لفترة قصيرة جدا وتركوا عملا جيدا ولكن الموت لاحقهم قبل استمرار المسيرة ولعل أبرزهم كمال سليم وعاطف الطيب، أما عمر الجميعى (1899 ــ 1951) فهو حالة خاصة جدا لا يكاد أحد يذكر اسمه، رغم ما تركه لنا من أفلام جيدة وهى أعمال قليلة العرض على الناس ولكنها موجودة على اليوتيوب بشكل ملحوظ، ولعل عمر الجميعى هو أكثرهم تميزا فقد عاش فى فرنسا سبع سنوات من عمره ينهل من الثقافة الحديثة ويعود إلى مصر كى يعمل بشكل مكثف فى مجال المسرح يؤلف ويخرج وينتج، ثم اتجه إلى السينما ليقدم أفلاما قليلة مأخوذة عن بعض الروايات الشعبية الفرنسية، وهى أفلام تهتم كثيرا بما يحدث فى محيط الأسرة والبيوت الشعبية حيث تتوطد العلاقات، كما تتكشف طبائع الناس وفى فيلم (وداعا ياغرامى) الذى أخرجه قبل وفاته فإنه يقدم لنا بعض العلاقات الغامضة التى لم نرها كثيرا فى السينما ومنها العلاقة بين الأجانب (الإجريك) وبين المصريين،حث يعيشون فى نفس البيوت، فى شقق متجاورة يتبادلون المحبة وأطباق الطعام والبوح بالمشكلات اليومية، ويساند بعضهم البعض مثل الدور الذى تلعبه كيتى وهى فتاة يونانية مخطوبة لواحد من عشيرتها وتحاول أن توطد العلاقة بين جارها رشاد وحبيبته فكرية.
كما أن هناك أما مختلفة تماما عن تلك التى نراها عادة فى السينما فأم رشاد (زينب صدقى) تقع فى غرام شاب يصغرها فى السن بعد وفاة زوجها مباشرة، هذا الأخير يسعى دوما إلى استخدام أموال الأم كى يلعب الميسر وهو يتعامل بقسوة مع ابن زوجته الذى هو فى نفس سنه، بل إنه عندما يود التخلص منه يبلغ عنه إدارة التجنيد فيذهب رشاد إلى الجيش ليؤدى الخدمة العسكرية، وهذا أمر غريب بالنسبة لابن وحيد يرعى أمه باعتبار أنه يجب أن يحصل على الإعفاء من التجنيد ولكن مثل هذه الأمور تكشف لنا أن المخرج قد عاد إلى نص فرنسى وقدمه لنا فى إطار مصرى، وفى النصف الثانى من الفيلم تلعب المصادفة دورا ملحوظا حيث يتم تجنيد رشاد فى بيت قائده المتقدم فى السن، ويفاجأ أن فكرية متزوجة من هذا القائد..
فى هذا الإطار تدور أحداث فيلم (وداعا يا غرامى) فنحن أمام قصة حب محاطة بالمستحيل، فرغم أن رشاد تقدم إلى خطبة الفتاة، فقد صار عليهما أن يفترقا بعد تجنيده، وهو الذى سيقضى فى الجيش سنوات غير قليلة، كما أنه سيعمل (طلبة) لقائده أى أقرب إلى الخادم رغم وجود الخدم الكثيرين فى بيت الضابط الكبير ويؤدى رشاد عمله بإخلاص،حتى وإن فوجئ بأن حبيبته زوجة قائده..
من المهم التوقف عند صورة الأم فى هذا الفيلم فهى تكاد تكون فريدة من نوعها حيث يرى الابن الذى تجاوز العشرين أمه وقد نست زوجها وتزوجت شابا يصغرها يدخل معها إلى غرفة النوم ويبتزها فى نقودها وينافسه فى مكانه بالمنزل ويتعامل معه كأنه رب الاسرة، فالام متمسكة بهذا الرجل وكأنها تستعيد سنوات المراهقة والمتعة الاولى، والغريب أن هذا الزوج سوف يفوز بالام، بينما الابن رشاد سيخسر كل شىء: أمه، وحريته، ووظيفته، وحبيبته فكرية، حين تعترف هذه لزوجها بأن الرجل الذى جاء لزيارتها عند ساعات الفجر هو الجندى الذى يعمل فى البيت وتعترف لزوجها بأن رشاد كان خطيبا لها ثم تقوم مشاحنة تنتهى بموت فكرية، ولا شك أن هذا سوف يدفع المجند إلى محاكمة عسكرية ودخوله السجن الحربى، أى إن أبطال الفيلم قد دفعوا الكثير ثمنا لأخطاء الآخرين ابتداء من الأم وزوجها، حتى الزوج الذى اقترن بفتاة تصغره كثيرا وأحبها لكنه لم يغفر لها ما لم تفعله، لذا فنحن أمام أكثر الأفلام المصرية كآبة وسوداوية، رغم قصة الحب التى تربط بين رشاد وجارته ورغم أجواء البهجة التى تصنعها الاسرة اليونانية التى يصنعها الحبيبان.