الأحد كان المؤتمر الصحفى الذى أقامه اتحاد طلاب جامعة النيل. ذهبت إليه فى محاولة لفهم هذا الصراع الذى ظل طوال العامين الماضيين يتوهج ثم يخبو فى الإعلام؛ فنلمح طلبة يعتصمون خارج جامعتهم ــ ثم يختفون، ثم نلمحهم يناقشون رسائل ماجستير على الرصيف ــ ثم يختفون، ونسمع عن مشروعات علمية ضخمة، وعن ضم جامعتين، ثم رفض ضم جامعتين، ثم نرى لقطات نشهد فيها علماء أجلاء كتفا إلى كتف مع أعمدة ما ظنننا أنه نظام اندثر، ثم لقطات فيها أسوار وشباب ثائر وأمن بنضارات شمس وكلاب بوليسية وسيارات تجرى. إيه الموضوع؟
المعلومات الأساسية عن جامعة النيل
هى جامعة أهلية لا تهدف إلى الربح. منحتها الدولة حق الانتفاع بنحو ٢٥٠ فدانا لمدة ٣٠ سنة، وتقوم الجامعة بالإنفاق على نشاطها من خلال التبرعات والتعاقدات البحثية والمصروفات. وهى تدفع إيجارا للدولة عن المبانى الموجودة بهذه الأرض.
هى جامعة بحثية، تتخصص فى الدراسات الخاصة بتطبيق ما وصل إليه العلم فعلا، تصف أهدافها كالآتى:
أعداد جامعة معنية بالتعليم العالى والبحوث العلمية المتعددة التخصصات طبقا للمعايير العالمية.
أن تصبح الجامعة جزءا من مدينة تكنولوجية تدعم بناء الكفاءات والقدرات لتطوير مصر.
تخريج رواد أعمال ومديرين فى مجالات التكنولوجيا يستوعبون الطبيعة المتغيرة للتكنولوجيا على مستوى العالم.
تحفيز تنافسية قطاع الأعمال المصرى من خلال ترويج البحوث التطبيقية، ودعم الشركات الناشئة فى مجالات التكنولوجيا، وحماية حقوق الملكية الفكرية.
مساندة الدولة فى كل ما يخص التكنولوجيا من تحديد سياسات او وضع أجندات عمل قومية.
خلق بيئة تسمح بتداول الأفكار من خلال التعاون المشترك بين الجالية المصرية فى الخارج وجامعة النيل والجامعات المحلية والدولية.
أُنشِئت الجامعة كأحد مشروعات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ضمن الخطة القومية للتنمية التكنولوجية. واجتذبت أكثر من ٤٠ باحث وعالم مصرى للعمل بها، ونشر هؤلاء ــ مع طلبة الدراسات العليا وشباب الباحثين ــ أكثر من ٧٠٠ بحث فى السنوات الأربع الماضية، يزيد على ثلاثمائة منها نشرت فى الدوريات والمؤتمرات العالمية. حصل العشرات من طلاب الجامعة على الجوائز فى المسابقات العالمية، وتأسست ١٢ شركة من نتاج الأبحاث التى أجراها الباحثون بالجامعة، وتخرج فى الجامعة حتى الآن ٣٠٠ طالب ماجستير.
هذه مؤسسة ناجحة ومثمرة، وتعمل فى صميم التوجه الذى نحن فى أشد الحاجة إليه. اقتنعت تماما بهذه الجامعة وأصحابها حين شهدت أداءهم فى مؤتمرهم الصحفى: اتبعوا أسلوبا علميا محترما؛ التزموا بالوقت المحدد، وكانت الكلمات كلها سريعة الرتم، مليئة بالمعلومات وليس بها أى كلام عايم ولا أى كلام إنشاء. قدموا المعلومات بترتيب منطقى يواكب التساؤلات عندنا نحن المستمعين. كل المعلومات التى قدموها كانت موثقة وتصاحبها المستندات، وكانت صور الوثائق والمستندات تظهر على الشاشة أثناء الحديث عنها، كما كانت كلها مجمعة فى ملف ــ على الورق وعلى CD ــ لنأخذها معنا فى نهاية المؤتمر. سمعنا كلمات من طلبة وأساتذة وأولياء أمور، وكان التساند والتآزر والإصرار واضحين كالشمس. ومن الواضح أن المبادرة جاءت أصلا من الطلبة. وكان الصحفيون الحاضرين من الشباب أيضا، وكان الجو كله يؤكد أن القضية قضية شباب، أما غير الشباب فموجود للمؤازرة. ذكرنى كل هذا بجو التحرير فى أيامه الأولى حين كان الكل ــ بصدق ــ يطير فخرا بالشباب.
المشكلة
خلال أحداث ثورة يناير ٢٠١١ طلبت الحكومة من إدارة جامعة النيل إخلاء المقر بالكامل والعودة إلى مكانها المؤقت بالقرية الذكية وذلك لتعذر تأمين المقر. وفى الخميس ١٢ فبراير ٢٠١١ قرر الفريق أحمد شفيق ــ وكان رئيسا للوزراء ــ نقل كل أصول جامعة النيل إلى صندوق تطوير التعليم التابع لرياسة الوزراء وأعلن عن إحياء مشروع زويل (الذى تم الاحتفال بوضع حجر الأساس له فى صحراء الشيخ زايد فى ٢٠٠٠/١/١ ثم لم يظهر لنا منه شىء فعلى)، ومنع طلبة وهيئة تدريس جامعة النيل من دخول جامعتهم، ثم جاءت حكومة د. عصام شرف فخصصت مقر جامعة النيل لمشروع مدينة زويل.
التاريخ المفصل، والأوراق والمستندات لا يتسع لها المجال هنا، وهى موجودة كلها على موقع الجامعة http://nileu.blogspot.com/
لكن الواقع الآن هو أن «مشروع مدينة زويل» ليس له وجود فعلى على أرض الواقع، لكنه يأبى إلا أن يبتلع جامعة علمية موجودة ومتحققة، كونت مجتمعا، وعلاقات، وبَنَت إنجازات، والواقع أيضا أن محكمة القضاء الإدارى حكمت فى ٢٠١٢/١١/١٨ بوقف تنفيذ قرارات شفيق وشرف فيما يخص أرض ومبانى جامعة النيل مع ما يترتب على ذلك من آثار (أى إن الحكم يعيد لجامعة النيل حق استخدام مقرها وكذلك بحق الجامعة فى كل التجهيزات التى أنفقت عليها فى المقر)، وأن الجامعة لم تتمكن من تنفيذ هذا الحكم إلى الآن. وقد قام الدكتور زويل بالطعن على الحكم فى ٢٠١٢/١٢/١٣، وقام أيضا بالطعن على الحكم: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير التعليم العالى فى ٢٠١٣/١/١.
وقد اقترحت الجامعة حلا مؤقتا، وهو أن تحتفظ جامعة النيل بـ٥٠ فدان فقط وما عليها من مبان وتترك باقى مساحة الأرض (٢٠٠ فدان) لمشروع زويل، وتستضيف جامعة النيل مدينة زويل فى أحد مبانيها حتى يتم بناء وتجهيز المبانى الخاصة بمدينة زويل. وتقول الجامعة إن د. زويل قد رفض هذا الحل.
أسئلة تحيرنى، وتحير الكثيرين؛ فمثلا: ما المانع من أن يكون بمصر مشروعان؟ جامعة النيل، جامعة أهلية، غير هادفة للربح، ومشروع مدينة زويل كمشروع علمى أكاديمى متكامل؟ ألا تحتاج مصر إلى العديد من المشروعات العلمية والتكنولوجية؟
لماذا يوجد إصرار على أن تختفى جامعة النيل؟ تستمر حتى تخريج الدفعة الحالية من الطلاب، ثم يلغى اسمها وكيانها، وتذوب فى مشروع مدينة زويل الذى لم تتحدد معالمه إلى الآن؟ الصحراء واسعة، واسم الدكتور زويل كفيل باستحضار كل الدعم المطلوب، وجامعة النيل لا تكلف أحدا شيئا.
سؤال محير: لماذا يقبل الدكتور أحمد زويل أن يكون طرفا فى مثل هذا الصراع؟ ألا يرى سيادته، وهو العالم الكبير الذى تعامل مع الإعلام فى أغلب بلاد العالم، ألا يرى درامية هذا السيناريو: فى بلد فى حالة ثورة ومحاولة بعث، تقف حكومات متتالية ضد شباب وأساتذتهم يصرون على حماية مشروعهم وحلمهم وإنجازهم؛ جامعتهم الأهلية الشابة المتميزة؟
كيف إذًا لا يرى كم تضر هذه المعركة مركزه، وكم تهز صورته اليوم عند الكثير من المصريين، وغدا فى المحافل العالمية؟ لماذا تعادى حكومات مصر المتتالية، وعالمها الحاصل على النوبل، جامعة النيل وشبابها؟