من المؤسف حقا ألا يجد المثقفون والمبدعون فى هذا البلد جهة ترعى مصالحهم وتنقل شكواهم إلى الحكومة التى يبدو أن لديها أولويات أكبر من الالتفات إلى مطالب جماعة المثقفين الذين فى كل واد يهيمون، على الرغم من أن هؤلاء هم الثروة الحقيقية التى لا يمكن تعويضها فى أى بلد.
ومن المؤسف أيضا أن المناشدات التى يطلقها المثقفون، أصبحت سمة متكررة، وعادة لا تتوقف، فمرة نقرأ مطالبات بحماية منشآت اثرية تقف فى مهب الريح، ومرة ثانية نتابع مناشدات أخرى للحفاظ على الطابع المعمارى للمدينة التاريخية فى مواجهة خطط تطويرها التى يجرى بعضها دون النظر لخصوصية المدينة وهى تزيد من وزنها النسبى عندما تقارن بأى مدينة أخرى فى العالم.
ولا يكاد يمر أسبوع دون أن نقرأ مناشدة لحماية صرح ثقافى ما، فالعام قبل الماضى تحرك المثقفون لانقاذ اتيليه القاهرة وتم حل المشكلة بطريقة مؤقتة ومنذ شهور يحاول فريق آخر حماية نادى القصة ووصلت لقضية إلى البرلمان.
وهذا الاسبوع وصل قطار المناشدات إلى اتيليه الاسكندرية بعد أن حصل مالك مبناه العريق على حكم قضائى يقضى بإخلاء المبنى والسيناريو الأقرب هو هدمه وبناء برج تجارى فى «قلب» الاسكندرية.
وشهد هذا الأسبوع عدة تحركات من الدكتور محمد رفيق خليل رئيس مجلس ادارة أتيليه الاسكندرية لحماية المقر ووقف تنفيذ حكم اول درجة صدر لمصلحة الملاك الحاليين بانهاء العلاقة الايجارية والطرد طبقا لحكم المحكمة الدستورية بانهاء العلاقة الايجارية للهيئات الاعتبارية كالجمعيات والمؤسسات، وفى اطار هذه التحركات دعا مثقفو الاسكندرية إلى عقد مثقفى مصر لمؤتمر عام يوم الجمعة 26 فبراير الحالى لتدشين مبادرة للحفاظ على الأتيليه ومناشدة الرئيس عبدالفتاح السيسى والدولة المصرية ووزارة الثقافة التدخل للحفاظ على الاتيليه باعتباره مركزا ثقافيا كما حدث مع عدد من القصور التاريخية بالقاهرة وتم الحفاظ عليها.
ومعلوماتى أن مجلس ادارة الاتيليه أرسل شكوى إلى الدكتورة ايناس عبدالدايم وزيرة الثقافة لبحث القضية مع السير فى اجراءات قانونية لوقف تنفيذ الحكم والطعن عليه قبل أن يصبح تنفيذه «كارثة ثقافية» وأمر واقعى لا سبيل لمجابهته.
ولا أحد بطبيعة الحال يقبل اغتصاب المبنى من المالك لكن فى البلدان التى تعتنى بإرثها الحضارى يجرى البحث عن وسيلة لتعويض الملاك وتسوية مثل هذه المنازعات.
ومن الأمور التى تثير الأسى فعلا أن لدينا سجلا من المبانى راحت كلها أو اندثرت وتحولت اراضيها إلى خرابات أو جراجات أو ابراج دون ان تفكر الدولة فى حمايتها وتعويض أصحابها لأن قيمتها لا يمكن تقديرها بالمال.
ولدينا فيما جرى لفيلا أم كلثوم ألف عبرة، فلم تكن عملية ازالتها سوى جريمة متكاملة الاركان ومن غير المفهوم أن تسعى جهة فى الدولة تمثل وزارة الثقافة مثل جهاز التنسيق الحضارى لحماية المبانى التراثية والتاريخية وتسجيلها ضمن قوائم التراث المعمارى أو تأكيد قيمتها المضافة من خلال مشروع «هنا عاش» احتفالا برموز ثقافية وسياسية حلت فى تلك الاماكن ثم تأتى مؤسسات حكومية أخرى تهمل كل هذه الجهود وتمسحها بالاستيكة.
ويحتاج «أتيليه الإسكندرية» لتدخل عاجل من رئيس الحكومة شخصيا تأكيدا لاحترام الدولة لهذا الصرح الثقافى الذى يؤدى دورا حضاريا منذ ثلاثينيات القرن الماضى وذلك قبل تشهد المدينة حلقة جديدة من حلقات مسلسل «الراية البيضاء» الذى كتبه عاشق الاسكندرية أسامة أنور عكاشة كنبوءة كاشفة عن مخاطر عملية التجريف الثقافى.
ونأمل أن يكون اللقاء الذى تم مؤخرا مع محافظ الاسكندرية بادرة فى طريق التوصل إلى حل والبحث عن تسوية مناسبة تحترم حق الملاك وتحافظ على جلال المكان ومكانته وما يعزز الأمل فى تحقيق هذا الحلم أن فيلا «كرم» حيث مقر الاتيليه محمية بقانون الاثار، ما يعنى ان المالك فى حال استلامه لن يستطيع بأى حال من الاحوال هدمه او العبث به الا بالتحايل على القانون وهى مسألة ليست صعبة وتم اللجوء اليها فى حالات كثيرة لأن بعض القوانين كما قال الشاعر الراحل أمل دنقل «تسن كى تخرق».