افتتح أول أمس بالعين السخنة مجمع مصانع الأسمدة الأزوتية التابع لشركة النصر للكيماويات الوسيطة، وهى شركة عتيقة فى صناعة الكيماويات والأسمدة، أُنشئت عام 1972، وتعد شركة متفردة من نوعها على مستوى الشركات والمصانع التى تعمل فى نفس المجال فى المنطقة العربية، وذلك لتعدد أنشطة المصانع الموجودة بالشركة واختلاف منتجاتها. وبذلك يكون قد أضيف كيان صناعى جديد هو مجمع يتكون من 6 مصانع لإنتاج الأسمدة الأزوتية، وهذا المصنع مقام على مساحة 285 فدانا.
وبذلك تشكل تلك المنشأة إحدى الحلقات المهمة فى التصنيع الزراعى، فمنذ بضعة أشهر تم تشغيل المرحلتين الأولى والثانية للزراعات المحمية (الصوب الزراعية) فى العاشر من رمضان وقطاع محمد نجيب، بهدف إنتاج محاصيل مختلفة، وموفرة لاستهلاك المياه، ومنتجة للبذور. وفى ذات السياق لم يتوقف العمل فى استكمال تبطين الترع، وتجهيز صوامع لتخزين الغلال.. إلخ.
المهم فى المشروع المفتتح حديثا، أنه يؤمل منه أن يحد من أزمة الأسمدة التى يعانى منها الفلاح منذ أكثر من خمس سنوات.
وتتمثل مظاهر تلك الأزمة فى تخصيص «شكاير الكيماوى» لبعض الزراعات دون غيرها، إذ إن السماد الكيماوى يوزع مدعما على الفلاح الذى يزرع الذرة والقمح والقطن والقصب والبنجر والصويا والسمسم فقط. وحتى مع هذا التحديد والتضييق، لا يأخذ عديد الفلاحين من مستأجرى الأرض الزراعية حصة الأرض من «الكيماوى» إما بسبب عدم وجود الكمية الكافية فى الجمعيات الزراعية البالغ عددها نحو 6 آلاف جمعية زراعية على مستوى الجمهورية، أو لوجود مشكلات مرتبطة بضرورة وجود مالك الأرض وليس المستأجر لصرف «الكيماوى».
وواقع الأمر أن الأسمدة من الصناعات الاستراتيجية، فهى مؤثر كبير على جودة التربة وإنتاجيتها، وتنتج مصر منها وفقا لبيان وزير قطاع الأعمال فى مارس2022 نحو 11.2 مليون طن، منها 7.8 أسمدة نيتروجينية، وتشمل اليوريا 7.6 مليون طن ونترات الأمونيا 1.1 مليون طن، كما تشتمل تلك الكمية على أسمدة فوسفاتية تقدر بـ3.4 مليون طن.
وتقف اليوريا على رأس احتياجات الريف المصرى، حيث تستهلك مصر 2.9 مليون طن، بينما تصدر منها 3.8 مليون طن. وتعد مصر بوجه عام، السادسة عالميا فى إنتاج اليوريا، والخامسة عالميا فى تصديرها. وبذلك الكم الكبير من الصادرات الذى وصل عام 2022 إلى نحو 2.5 مليار دولار، وكان عام 2019 و2020 على الترتيب 1.36 و1.43 مليار دولار وفقا لبيانات غرفة الصناعات الكيماوية، يصبح السماد مشكلا نسبة 9% من قيمة صادرات مصر الكلية.
ولعل الغاز الطبيعى هو عماد صناعة الأسمدة قاطبة. فهو المصدر الأساسى لإنتاج الأمونيا الناتجة عن تفاعل النيتروجين والهيدروجين معا. ومن ثم فاستهلاك الغاز بتلك الصناعة أفضل كثيرا من تصديره خاما.
وتتسبب سياسة شركات إنتاج وتصنيع الأسمدة فى الشكوى الكبيرة للفلاح من شح السماد فى السوق المصرية، إذ إن تلك الشركات تعطى أولوية قصوى للتصدير، وتعطيش السوق المحلية، وتركه نهبا لبعض ضعاف النفوس من المحتكرين، إلى الحد الذى أصبحت فيه «شكارة الكيماوى اليوريا التى تباع بالجمعية الزراعية مدعمة بسعر 240 جنيها، تصل إلى أكثر من 500 فى السوق السوداء.
ونتيجة ارتفاع ثمن السماد عالميا، حيث أصبح سعر الطن منه 13 ألف جنيه، رغم تكلفته المقدرة بـ4000 جنيه للطن، يكون هذا الفارق مغريا كبيرا للشركات لتفضيل التصدير. والمعروف أن الدولة تمنح الغاز لمنتجى السماد بسعر تفضيلى، مقابل تسلم وزارة الزراعة 55% من إنتاج الشركات بسعر التكلفة وربما أقل، وتسليمها للجمعيات الزراعية.
ونظرا لارتفاع أسعار الغاز عالميا، فإن الدولة اتجهت فى سبتمبر2022 لرفع سعره للمنتجين، فجعلت سعره لتصنيع اليوريا متغيرا كل شهر، أما سعره للأسمدة غير الأزوتية فهو ثابت. وكان سعره قبل ذلك 4.5 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية. كما سعت للحد من شح تسليم الشركات لنسبة الـ55% من الإنتاج بفرض ضريبة على تصدير السماد، تقدر بـ2500 جنيه للطن.
وعامة، فإنه ونظرا لضعف الرقابة، وجشع التجار المحتكرين، وأطماع المنتجين بتفضيل التصدير المربح بنسبة تصل إلى 100% على احتياجات الفلاح محليا، لا ينتظر أن تحقق الخطوات السابقة الكثير، إلا لو استكملت بمزيد من تأسيس عديد الشركات الوطنية لتصنيع الأسمدة، والوقف الكامل لأى سياسة تسعى إلى بيع المصانع القائمة للمستثمرين الأجانب، بما فى ذلك شركة سيناء للمنجنيز المطروحة للبيع اليوم، لما فى ذلك من نهب مقنن لثروات البلاد فى سلعة استراتيجية، وعدم التحكم فى إمداد السوق المحلية بالأسمدة مع منح المستثمرين الأجانب الأولوية القصوى للتصدير.