جعل العمل المصرفي مملاً - بول كروجمان - بوابة الشروق
السبت 5 أكتوبر 2024 9:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جعل العمل المصرفي مملاً

نشر فى : الخميس 16 أبريل 2009 - 9:49 ص | آخر تحديث : الخميس 16 أبريل 2009 - 9:49 ص

 منذ أكثر من ثلاثين عاما، عندما كنت أستكمل دراساتى العليا فى الاقتصاد، كان الأقل طموحا من أقرانى هم من يسعون للعمل فى عالم المال. وحتى فى ذلك الوقت، كانت البنوك الاستثمارية تدفع أجورا أكبر من التعليم أو الخدمات العامة لكنها لم تكن أكبر بكثير.

 

وعلى كل حال، كان الجميع يعلمون أن العمل المصرفى ممل للغاية.

 

وفى الأعوام التالية، أصبح العمل المصرفى أى شىء غير كونه مملا، فازدهرت الفرص، وارتفعت الأجور ارتفاعا كبيرا، لتجتذب أعدادا كبيرة من أفضل شباب الأمة وأكثرهم نبوغا (لست متأكدا بالطبع من مسألة «الأفضل» هذه). وكنا على يقين من أن قطاعا مصرفيا بالغ الضخامة هو مفتاح الرخاء. لكن المال تحول إلى وحش يأكل اقتصاد العالم.

 

وقد نشر الخبيران الاقتصاديان، توماس فيليبون وآريل ريشيف، بحثا كان يمكن أن يعنونانه «صعود وانهيار العمل المصرفى الملل» (عنوانه الحقيقى هو «الأجور ورأس المال البشرى فى صناعة المال الأمريكية، 1909-2006»). وهما يبينان فيه أن العمل المصرفى فى أمريكا مر بثلاث فترات خلال القرن الماضى. فقبل 1930، كان العمل المصرفى صناعة مثيرة تضم عددا من الشخصيات الفذة، التى شيدت إمبراطوريات مالية عملاقة (اتضح بعد ذلك أن بعضها كان قائما على الاحتيال). وكان هذا القطاع المالى المحلِّق عاليا يشرف على الدَّين الذى كان يزيد زيادة سريعة: فيما بين الحرب العالمية الأولى وعام 1929، تضاعفت تقريبا نسبة الدين المنزلى إلى إجمالى الناتج المحلى.

 

وخلال الفترة الأولى من الزخم المالى، كان متوسط ما يدفع لرجال البنوك أكبر كثيرا من أقرانهم فى الصناعات الأخرى. لكن القطاع المالى فقد بريقه عندما انهار النظام المصرفى أثناء الكساد العظيم.

 

وقد جرى تنظيم صناعة المال التى خرجت من هذا الانهيار بإحكام، وجاءت أقل حيوية مما كانت عليه قبل الكساد، وأقل عائدا على المشرفين على إدارتها. وأصبح العمل المصرفى مملا، وهو ما يعود فى جانب منه إلى أن المصرفيين كانوا متحفظين للغاية فيما يخص الإقراض: بقاء الديون المنزلية، التى انخفضت نسبتها بشدة إلى إجمالى الناتج المحلى أثناء الكساد والحرب العالمية الثانية، أدنى من المستويات التى كان عليها قبل الثلاثينيات من القرن الماضى. ومن الغريب أن نقول إن هذه الفترة من العمل المصرفى الممل كانت أيضا فترة للتقدم الاقتصادى المذهل بالنسبة لمعظم الأمريكيين.

 

لكن بعد عام 1980، ومع تحول الرياح السياسية، استبعدت الكثير من القواعد المنظمة لعمل البنوك وعاد العمل المصرفى مثيرا مرة أخرى. وبدأ الدين يرتفع بسرعة، ليبلغ فى النهاية نفس النسبة من إجمالى الناتج المحلى التى كان عليها فى عام 1929. وتضخم حجم صناعة المال. وبحلول منتصف هذا العقد، أصبح يشكل ثلث أرباح الشركات.

 

ومع حدوث هذه التغيرات، أصبح العمل المصرفى مرة أخرى مهنة عالية العائد بالنسبة لبناة الإمبراطوريات المالية الجديدة. والحقيقة أن العوائد المالية الكبيرة لعبت دورا كبيرا فى تشييد العصر الذهبى الأمريكى الثانى. ولست بحاجة للقول إن السوبر نجوم الجدد اعتقدوا أنهم استحقوا ثرواتهم. وقال ستانفورد فيل فى 2007، بعد عام من تقاعده من سيتى جروب، «أعتقد أن النتائج التى حققتها شركتنا، والتى جاءت منها معظم ثروتى، تبرر ما حصلت عليه». ويقر كثيرون من الاقتصاديين بهذا.

 

قليلون هم من حذروا من أن هذا النظام المصرفى المزدهر سينتهى حتما نهاية سيئة. ولربما كان راجورام راجان من جامعة شيكاغو، وكبير الخبراء الاقتصاديين السابق بصندوق النقد الدولى، من أبرز هؤلاء المتنبئين، عندما قال فى مؤتمر عقد فى 2005 إن النمو المالى السريع زاد من مخاطر «الانهيار المفجع».

 

لكن مشاركين آخرين، ومنهم لورانس سومرز، الذى يرأس الآن المجلس الاقتصادى الوطنى، سخروا من قلق راجان. وحدث الانهيار.

 

والآن، يتضح أن كثيرا مما يبدو نجاحا لصناعة المال ليس إلا وهما. (سهم سيتى جروب قد فقد أكثر من 90% من قيمته الحقيقية). على أن الأسوأ هو أن انهيار البيت المالى المبنى من أوراق اللعب أنزل الكارثة بباقية الاقتصاد، مع تدهور التجارة والعائد الصناعى فى العالم بسرعة أكبر مما حدث فى الكساد العظيم. وترتب على الكارثة دعوات إلى المزيد من التنظيم للصناعة المالية.

 

لكنى أشعر بأن صناع السياسة ما زالوا يفكرون أساسا فى إعادة ترتيب الصناديق على جدول الهيئة المشرفة على البنك. وليس كلهم على استعداد لعمل ما ينبغى عمله أى جعل العمل المصرفى مملا مرة أخرى.

 

ويتمثل جانب من المشكلة فى أن العمل المصرفى الممل قد يعنى بنوكا أكثر فقرا، ولا تزال صناعة المال تضم كثيرين من الزملاء فى المناصب العليا. لكن المسألة لها أيضا جانبها الأيديولوجى. فبالرغم من كل ما حدث، لا يزال معظم الموجودين فى مواقع السلطة يربطون بين الامتياز المالى والتقدم الاقتصادى.

 

فهل يمكن إقناعهم بالعكس؟ وهل ستتوفر لنا الإرادة للقيام بإصلاح مالى جاد؟ إذا لم يكن الحال كذلك، فلن تكون الأزمة الحالية عابرة؛ وستلقى بظلالها على كل ما سيأتى.

 

© 2009 New York Times News Service

 

بول كروجمان حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد
التعليقات