لم يكن ابنى البكرى، عبدالرحمن، يذهب فى النوم، وهو فى شهوره الأولى قبل عشر سنوات، إلا بعدما أهدهده بكلمات ركبتها على إيقاع أغنية «واااه يا عبدالودود.. يا رابض ع الحدود»، التى كتب كلماتها الراحل أحمد فؤاد نجم لجنودنا على الجبهة يوم 9 يونيو 1967، وشدا بها الشيخ إمام عيسى رحمة الله عليه.. كنت أهمهم «يا عبود يا عبود.. بكرة تطلع على الحدود.. وأمك تديك البارود.. لأجل تحارب اليهود»، فيستجيب عبده للنوم.
كان هدفى أن يكبر عبدالرحمن وقلبه معلق بحدودنا الشرقية، وبالدماء التى سالت فى سبيل استعادة الأرض التى اغتصبها الصهاينة، وكلما حانت مناسبة، أروى له كيف ضاعت منا فلسطين والجولان وسيناء، وما هى الضريبة التى دفعناها لنسترد جزءا من أرضنا المحتلة، وأحمله هو وجيله مسئولية رد ما فشلنا فى تحريره منها.
كبر عبدالرحمن وبدأت أغرس فيه حب عبدالناصر «اللى مات وهو بيحارب علشان يسترد الأرض»، وكره السادات «اللى مات بعد ما باع القضية وسلم مفاتيح اللعبة للأمريكان والصهاينة»، واحتقار مبارك «الحرامى اللى نهب البلد»، وغباء مرسى «اللى لبس البدلة الحمرا لأنه وقف ضد إرادة شعبه».
العام الدراسى الماضى، كانت أول سنة يدرس فيها عبدالرحمن دراسات اجتماعية، راجعت معه درس «الحدود الجغرافية» لمصر، وتوقفنا عند حدودها الشرقية مع فلسطين المحتلة، وكيف مر منها معظم الغزاة «هكسوس وفرس وتتر وصهاينة»، وأبحرنا على خريطة مصر فى اتجاه البحر الأحمر الذى يفصل بيننا وبين الشقيقة السعودية، وتوقفنا عند جزيرة ومضيق تيران وما لهما من أهمية كبرى فى حربنا المقبلة مع إسرائيل.
عبدالرحمن استقر فى وجدانه أن جزيرتى تيران وصنافير مصريتان، وأنهما جزء لا يتجزأ من محافظة جنوب سيناء. العام المقبل سينتقل ابنى إلى العام السادس الابتدائى ليفاجأ بأن «الجزيرتين الهامتين فى مجالى السياحة والصيد» اختفتا من خريطة مصر، ومن درس «الجزر الساحلية».
لا أدرى كيف سيجيب مدرس الجغرافيا، عبدالرحمن عندما يسأل «أين ذهبت تيران وصنافير؟»، وكيف سيبرر المدرس تسليم الحكومة الجزيرتين للسعودية؟ وإذا كانت الجزيرتان وديعة المملكة عند مصر أو عليهما نزاع كما يردد «النبطشية»، فلماذا لم يذكر ذلك فى كتاب الدراسات قبل عامين؟.
ولدى عبدالرحمن، لا تصدق ما سيحاول مدرس الدراسات إقناعك به، فهو مجبور محاصر بالخوف على لقمة العيش، اكتب فى ورقة الامتحان «تيران وصنافير مصريتان»، ضعهما على الخريطة، ولا تدع خوفك يتحكم فى قلمك، فالخوف لا يصنع مستقبلا، واعلم أن ما يرددونه عن «المخطط الجهنمى» والمؤامرات الخارجية ما هو إلا محاولة للهروب من مواجهة الفشل.
ولدى عبدالرحمن، ثورة يناير اندلعت من أجل العيش والحرية والكرامة، عش بكرامة أنت وجيلك، لا تقبلوا الدنية مهما كان الثمن، جوعوا واربطوا الأحزمة ولا تفرطوا فى أرضكم شرفكم عرضكم.
ولدى عبدالرحمن، فلسطين من النهر إلى البحر أرض عربية محتلة.. الجولان أرض عربية محتلة.. أم الرشراش «إيلات» أرض مصرية عربية محتلة.. وافتح القوس «تيران وصنافير» أرض مصرية لن نبيعها ولن نسلمها إلى السعودية.
«واااه يا عبدالودود.. يا رابض ع الحدود
ومحافظ ع النظام.. كيفك يا واد صحيح
عسى الله تكون مليح.. وراجب للأمام
ما عاد إلا المعاد.. أمك ع تدعى ليك
وع تسلم عليك.. وتجول بعد السلام
خليك دَدَع لابوك.. ليجولوا منين دابوك
ويمصخوا الكلام.. واه يا عبدالودود
عقلك وانته خابر.. كل القضيَّة عاد
ولسّه دم خيّك.. ما شِرباش التراب
حسّك عينك تزحزح.. يدك عن الزناد
خليك يا عبده راصد.. لساعة الحساب
آن الأوان يا ولدى.. ما عاد الاّ المعاد
تنفضّ الشركة واصل.. وينزاحوا الكلاب
إن كنت ودّ أبوك.. تديب لى ثار أخوك
والأهل يبلّغوك.. دميعا السلام