وضع الدكتور البرادعى يده على «نصف الحقيقة» فى حواره مع المجلة الألمانية «دير شبيجل»، بقوله إنه «مقتنع بأن ما حدث مع أيمن نور لن يتكرر معه، لأن لديه حصانة دولية ستحميه من نفس المصير» بمعنى أن النظام لن يمارس معه المضايقات التى مارسها مع أيمن.. وبقوله أيضا أن الرئيس مبارك اقنع الغرب بأن البديل للحكم الديكتاتورى فى مصر هو الوقوع فى قبضة التطرف الإسلامى، وبقوله كذلك إن جمال مبارك شخصا غير سيىء لكنه لن يغير فى سياسيات والده إذا خلفه فى الحكم..
أما النصف الآخر الذى أعتقد أن الدكتور البرادعى قد أخطأ فيه، فهو تكراره أكثر من مرة «أنه لا يستطيع ولا يريد أن يكون المخلص للشعب المصرى، وإنما هو يحارب ضد العقلية، التى لا تريد أن تفعل شيئا لتنتظر قائدا يخلصها مما هى فيه»، وأنا لا أدرى كيف توصل الدكتور البرادعى لهذا الاستنتاج الغريب، فلا يوجد عاقل واحد فى مصر طلب منه أن يكون المخلّص الذى يحل مشاكلنا بالمعجزات أو بعصاه السحرية أو أن يحارب معاركنا ونحن هنا قاعدون!
كان كل المطلوب من البرادعى أن يوافق على يكون مرشحا رئاسيا عن قوى المعارضة ببرنامج سياسى واضح يستهدف إقامة نظام ديمقراطى حقيقى واستعادة العدالة الاجتماعية، التى أهدرتها قيادات الحزب الوطنى منذ عهد السادات حتى الآن، والتى انتهت نهاية حزينة بتسليم مفاتيح البلد والاقتصاد والسياسة إلى رجال الأعمال.
ما يتجاهله البرادعى هو أن كل المطالب التى يرفعها الآن، رفعتها عشرات القوى السياسية العلنية والسرية منذ عشرات السنوات، وما يتجاهله ثانيا وهو الأهم، أن المصريين كانوا ينتظرون منه أن يترشح من خلال أحد أحزاب المعارضة لرئاسة الجمهورية لأن الشروط المجحفة التى وضعها الحزب الوطنى للترشح لن تتغير قبل الانتخابات المقبلة، وما يتجاهله الدكتور البرادعى ثالثا، وهو الأخطر، أنه بخطفه للأضواء من مرشحين محتملين للرئاسة قد ساهم فى ضياع فرص حقيقة للتغيير فى مصر أكثر مما ساهم فى دفع عجلة التغيير..
تكتيكات البرادعى تحتاج لعشرين عاما وربما أكثر لكى تحقق النتائج المطلوبة، رغم أن الفرصة كانت مواتية له لكى يحقق الكثير من أهداف الشعب المصرى، لكنه وقع فى تصورات غير حقيقة حول اعتبارنا له كمخلّص أو أنه غاندى مصر أو عرابى جديد يقف أمام الخديو.. مع أننا كنا نريد مرشحا واقعيا للرئاسة له مصداقية وحماية دولية تحميه من بطش النظام، ويشتغل سياسة باعتبارها «فن الممكن».. لا أكثر ولا أقل!