خلال الاحتفالات بذكرى 30 يونيو الشهر الماضى، قال احد الخبراء الاستراتيجيين فى تصريحات تلفزيونية، إن مصر تعرضت فى شهرى سبتمبر وأكتوبر العام الماضى إلى 60 ألف شائعة، كانت تستهدف منذ 25 يناير 2011 إشعال حرب أهلية تستمر لنشر الفوضى والخراب، فى مخطط شيطانى تقف وراءه أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وألمانيا وإثيوبيا وتركيا وقطر وإيران، لتفتيت مصر إلى عدة دويلات، بعد أن فشل هذا المخطط فى استمرار حكم الإخوان المسلمين الذين ساعدتهم هذه الدول للوصول لحكم مصر من أجل تنفيذ صفقة القرن!
لا أعرف كيف توصل هذا الخبير لكل هذه النتائج؟ ولا الطريقة التى اتبعها لحساب هذا العدد الفلكى من الشائعات؟ ولا التأثير السلبى الذى أحدثته؟ وكيف واجهتها أجهزة الدولة المختلفة؟ وهل هى تعبر عن آرائه الشخصية أم عن جهات رسمية؟
كل ما أعرفه أننى لا أذكر شائعة واحدة من الـ 60 ألفا نجحت فى إثارة أى قدر ولو ضئيل من البلبلة بين المصريين!!
كنت قد نسيت ما قاله الخبير، حتى شاهدت بالمصادفة على اليوتيوب برنامجا، قال فيه مقدمه أيضا إن مصر شهدت 60 ألف شائعة خلال ثلاثة شهور بمعدل شائعة كل دقيقتين، تستهدف ــ كما قال ــ إثارة حالة من الضبابية على المشهد السياسى الراهن فى مصر.
ثم قرأت بعد ذلك على أكثر من موقع إخبارى تصريحات لأحد النواب وهو يؤكد أن مصر شهدت خلال الثلاثة شهور الأخيرة 60 ألف شائعة أيضا بحسب ما جاء فى تقارير لم يوضح النائب الجهة التى أصدرتها، جميعها تستهدف ضرب الاستقرار والتشكيك فى مؤسسات الدولة وأجهزتها والنيل منها، وفى الانجازات التى تحققت وعلى رأسها إقامة 11 ألف مشروع، وهو انجاز لم يتحقق عبر تاريخ مصر على مر العصور.
بحسبة بسيطة فإننا واجهنا 120 ألف شائعة على مدى 5 شهور فقط طوال السنوات الأربع الماضية، دون أن ندرى هل واجهنا شائعات أخرى فى بقية الشهور أم لا، لكنه بالقطع رقم كبير ومخيف، لأن التعريف العلمى للشائعة كما يقول الخبير الفرنسى فى علوم الإدارة د. جان نويل هى أخبار ملفقة تتولد من نقاش جماعى، ويحكمها منطق صارم، وفى ظل مناخ عام يتسم بالرغبة فى تصديق هذه الشائعات، وهى لن تبصر النور إلا إذا كانت تستجيب لهاجس مستتر أو لصراع نفسى ما، فالشائعة تعبر ببساطة عما نفكر فيه بصمت ولا نجرؤ على تحقيقه، وهى أيضا تعبر عن صدى أفكارنا وانتمائنا إلى مجموعة اجتماعية نتشارك معها فى الرأى والقيم والمواقف.
الشائعات بهذا التعريف العلمى تتناقض تماما مع أهداف المروجين لانتشارها فى مصر، رغم اعترافنا بحسن نيتهم فى الدفاع عن 30 يونيو، لكنهم على ما يبدو استندوا إلى تقارير لا تفرق بين الشائعات باعتبارها فعلا اجتماعيا، وبين الأخبار الملفقة أو الكاذبة التى تنشرها مواقع تستهدف الترويج لاسمها، أو دول وجهات أجنبية تستهدف التآمر على بعضها البعض!
الحل الوحيد لمواجهة الـ 120 ألف شائعة هو نشر الحقائق كاملة على الرأى العام كما كان يفعل رئيس الوزراء البريطانى الأشهر وينستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية عندما كان يطالب الصحافة ووسائل الإعلام فى بلاده بنشر خسائر القوات البريطانية رغم فداحتها بمنتهى الصدق والشفافية!
قد تكون مصر تعرضت لعدة ملايين من الشائعات وليس 120 ألفا فقط، وهو أمر مهم الإشارة إليه، ولكن الأكثر أهمية هو الطريقة التى نواجهها بها لكى نجهضها وهى لا تزال فى مهدها.