الكثير من الشواهد الآن تكاد تؤكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسى سيعيد النظر فى قانون التظاهر الذى أصدره سلفه الرئيس الأسبق عدلى منصور فى نوفمبر من العام الماضى، وإن لم يتضح بعد متى يتم تعديل هذا القانون الذى يحاكم بمقتضاه العشرات من الناشطين الشباب، كما لم يتضح بعد ما هى بالضبط طبيعة التعديلات التى تفكر الرئاسة فى إجرائها على هذا القانون المثير للجدل، ولا متى تصدرها لطرحها للنقاش المجتمعى قبل إقرارها.
قانون التظاهر كان ابن مرحلة سياسية ضاغطة تصاعدت فيها حدة المواجهة بين مافيا الإخوان والسلطة الجديدة فى مصر، والتى اقتربت من درجة الغليان والعنف السياسى غير المسبوق وحروب الشوارع بين الشرطة والجيش وعصابات الإخوان، وكانت بنود هذا القانون تحمل ملامح هذه المرحلة، فجاء وكأنه يقمع المظاهرات والمتظاهرين، وهى ظروف لم تعد متوافرة الآن، بعد أن سقطت مافيا الإخوان جماهيريا ولم يعد لها وجود يذكر فى حركة الشارع..
وفقا للمادة الثامنة من القانون، فإن على منظمى المظاهرة إبلاغ الشرطة كتابة بموعدها قبل 3 أيام كحد أدنى من قيامها و15 يوما كحد أقصى أو يوم واحد فى حالة المؤتمرات الانتخابية، وهى إجراءات تفرغ أى مظاهرة من مضمونها ومن حيويتها، ولا تتناسب مع سلطة جاءت أصلا بمظاهرات شعبية جارفة ضد الإخوان بدون حصولها على أى تصريح من الأمن.!
أما المادة العاشرة فقد أعطت لأجهزة الأمن سلطات بلا حدود بمنع المظاهرات، إذا تلقت معلومات «جدية» على وجود ما يهدد الأمن والسلم، وهى سلطات تقديرية للأمن، تجعله حكما وحيدا على حركة الشارع، خصوصا أن هذه المعلومات الأمنية قد تخضع للتلاعب والاعتبارات السياسية. كما أنه على عكس القانون الذى صدر فى فترة حكم الإخوان والذى اشترط ان يكون منع المظاهرات صادرا عن قاضى الأمور الوقتية بناء على بلاغ من الأمن، فقد سلب قانون المستشار منصور المتظاهرين من هذا الحق، فى نفس الوقت الذى تطلق فيه المادتان الثانية عشرة والثالثة عشرة العنان لقوات الأمن لاستخدام القوة المفرطة، بما فيها القوة المميتة ضد المتظاهرين، لاعتبارات تراها قوات الأمن وحدها بأن المظاهرة غير سلمية، وهى اعتبارات قد تكون غير صحيحة بل وملفقة..
القانون فى جوهره يفرض قيودا واسعة على التظاهر ويشكل تهديدا خطيرا لحرية التجمع، وهو ما كان متأثرا بلجوء مافيا الإخوان لاستخدام السلاح فى الشوارع خلال مظاهراتهم المسلحة إبان عزل الرئيس مرسى، فى نفس الوقت الذى ينص فيه القانون على عقوبات قاسية بالسجن من عامين إلى 5 أعوام على كل من خالف بنوده حتى لو كان المتظاهرون سلميين لا يحملون أى أسلحة!
مشكلة هذا القانون أنه يزيد غموض موقف حكم السيسى من قضايا الحريات، ويفتح الباب أمام مخاوف مشروعة وانتقادات لاذعة لحكمه، هو فى غنى عنها، فالرجل الذى وضع رقبته على كفه وهو يواجه مؤامرات مافيا الإخوان مستندا إلى حب الشعب له وثقتهم فيه ونزولهم للشوارع تلبية لندائه لهم، لا ينبغى له أن يكون محل انتقاد بأنه يعادى الحركات السياسية المعارضة، ويقمعهم بالقانون.
معركة السيسى الحقيقية هى فى ميدان الحريات، وأمام الرجل فرصة تاريخية للقيام بإصلاحات كبرى، يعيد من خلالها بناء نظام سياسى جديد بإلغاء قانون التظاهر، والإسراع بإجراء انتخابات البرلمان، وبنفيه كل الشائعات التى يروجها البعض عن وجود نية لتعديل الدستور تعطيه صلاحيات أكبر.. وقبل ذلك كله، إيجاد آليات تترجم أفكاره التى طرحها فى أكثر من مناسبة حول الإصلاح الدينى، ومحاربة الإرهاب والتطرف بسياسات تواجه الفقر والجهل والتخلف.