لو كنت مكان المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة، لذهبت فورا إلى مكتب النائب العام طالبا منه التحقيق فى البلاغات الموجهة ضدى باستغلال النفوذ فى الاستيلاء على 250 فدانا فى منطقة الحمام بمطروح.. حتى يدرأ الزند عن نفسه الشبهات التى تتهمه بأن شراسته فى الدفاع عن بقاء النائب العام فى منصبه، كانت لأهداف شخصية، لا علاقة لها بالكلام الكبير والشعارات البراقة عن استقلال القضاء، وحماية دولة القانون والمؤسسات!
ولو كنت مكان النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، لواجهت فورا الاتهامات التى تلاحقنى بـ«تمويت» البلاغات التى كانت موجهة لكبار نجوم عهد حسنى مبارك خلال وجوده فى الحكم، بأن أقدم للرأى العام جردا بكل تفاصيل هذه البلاغات، وسبب بقائها حبيسة فى أدراج مكتبى, وأن أرد بوضوح تام على اتهامى بعدم تقديم الأدلة الكافية لإدانة قتلة الثوار الذين حصلوا على البراءة، وأن أطلب إعادة التحقيق مع متهمى موقعة الجمل، بعد أن عجز قضاة التحقيق عن تقديم الأدلة الكافية التى تدين المتورطين فيها..
أما لو كنت مكان الرئيس محمد مرسى، لقررت فورا إقالة كل المستشارين الذين ورطونى مرتين، الأولى فى معركة حكم الدستورية بحل مجلس الشعب، والثانية فى معركة النائب العام، بعد أن ثبت أنهم بقلة خبرتهم وسوء تصرفهم يقللون من هيبة مؤسسة الرئاسة، ويجعلونها هدفا سهلا لكل خصومها، وأن أصدر أمرا بالتحقيق فى كل ما يتعلق بالطرف الثالث، والإشاعات التى تطارد بعض قيادات إخوانية بالتورط فى أحداث عنف، لتبرئة ذمتها من جهة، ولإثبات ان الرئيس قطع بالفعل كل علاقاته التنظيمية مع الإخوان، وانه رئيس لكل المصريين.
كان الأولى بمؤسساتنا السياسية، وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة ــ لأنها الوحيدة المنتخبة شعبيا وتمتلك سلطات تشريعية وتنفيذية واسعة ــ أن تستثمر نجاحها فى تحجيم دور المؤسسة العسكرية فى الشأن السياسى وعدم مزاحمتها لها فى السلطة بعد الإطاحة بطنطاوى وعنان، بافتعال معارك جانبية مع القضاء والنائب العام، وأن تلتفت ــ أولا ــ لقضايانا الكبرى المتعلقة بتصفية نظام مبارك، ومحاكمة رموزه على جرائمهم الجنائية والسياسية، والشروع فى بناء نظام سياسى جديد يعبر عن كل القوى الإسلامية والليبرالية والاشتراكية التى شاركت فى الثورة، وهو أمر له أهمية بالغة، بعد أن كشفت اشتباكات التحرير يوم الجمعة الماضى أن خلافات حلفاء الأمس يمكن أن تشعل حرائق واسعة، كان سببها قرار الرئيس بتعيين النائب العام سفيرا فى الفاتيكان!
وإلى أن يحدث كل هذا، سوف نشاهد بالتأكيد فصلا جديدا فى هذه المسرحية العبثية التى تعرض، بفشل ذريع، على مسرحنا السياسى للعام الثانى على التوالى، ودون أن تظهر فى الأفق نهاية قريبة لها، خاصة بعد أن اكتظت خشبة هذا المسرح بكل من هب ودب من الأفاقين،والمهرجين، والمتعصبين، وهواة الشهرة، وأصحاب المصالح الخاصة، مع عدد غير قليل من المرضى النفسيين، وأرباب السوابق والمسجلين خطر، والذين يزداد عددهم بمرور الوقت، حتى استطاعوا «الغلوشة» على أصحاب المواقف الجادة والرؤى السياسية الناضجة من مختلف الاتجاهات، والتى تحاول عبثا طرح أفكارها، ليجرى حولها نقاش مجتمعى جاد، حول هويتنا السياسية بعد ثورة يناير، لا شك أن تأجيله يهدد الجميع بفوضى عارمة، ينتظرها الكثيرون فى الخارج والداخل أيضا..