منذ عامين، قال رولان دوماس وزير خارجية فرنسا الأسبق فى حوار تليفزيونى ساخن إن هناك مؤامرة غربية – إسرائيلية لتدمير سوريا، وإن مسئولين بريطانيين عرضوا عليه – قبل أن تشتعل الحرب فى سوريا ــ أن تشارك باريس فى هذه العملية، وذلك خلال زيارة إلى لندن قام بها منذ أكثر من 5 سنوات، مؤكدا بوضوح تام أن هذه الحرب – التى أسماها حربا عالمية – تستهدف الحفاظ ليس فقط على أمن إسرائيل، ولكن لتنفيذ مشروعها التاريخى بإقامة دولتها التوراتية التى تمتد من النيل إلى الفرات، وهو بالطبع هدف يتعدى حدود سوريا إلى مصر والعراق وليبيا وغيرها من الدول العربية، التى تتوهم ان حدودها ستكون آمنة من تداعيات هذه الحرب!
صحيح أن ما قاله دوماس منذ عامين لم يلفت نظر أحد فى العالم العربى، واعتبره الكثيرون مبالغة سياسية، لكن القراءة السياسية المنطقية الوحيدة، لتفسير ما يجرى فى سوريا وفى العديد من الدول العربية، يؤكد أهمية ما قاله دوماس حول الخطط أو المؤامرات – سمها ما شئت – التى تنفذها الدوائر الغربية، لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط السياسية طبقا لنظرية «الفوضى الخلاقة»، التى سبق أن اعلنتها صراحة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كودوليزارايس.
التفسير الرائج لأسباب هذه الخطط أو المؤامرات الغربية، له ثلاثة أبعاد رئيسية، أولها تصفية كل النظم العربية المعادية لإسرائيل، وثانيها إقامة نموذج اسلامى على الطراز التركى فى الدول العربية يستوعب الحركات المتطرفة ويمنع تهديدها لأمن أوروبا وغزوها بالأفكار الجهادية التى تتسرب للجاليات الاسلامية التى تعيش فى دولها، وثالثا ادماج المنطقة العربية، التى ينظر لها فى الغرب على أنها خارج التاريخ، فى منظومة القيم الغربية، حتى وإن استغرق ذلك عدة عقود.
فى هذا السياق، فإن قراءة مسارات ثورات الربيع العربى بشكل نقدى، يصبح واجبا وطنيا ينبغى أن يؤخذ بالجدية الكافية، خاصة أن المكايدات بين مختلف القوى السياسية فى مصر وفى سوريا وفى ليبيا وفى غيرها من الدول العربية، أصبحت تطغى على مساحة العقلانية والرشد فى محاولات فهم ما حدث، وكشف الأدوار الحقيقية التى لعبتها هذه القوى فى هذا المشهد.
فى مصر على سبيل المثال، لا يزال الغموض يسيطر على حقيقة ارتباط قوى سياسية بهذه المؤامرة الغربية المفترضة، فلا احد يعرف بالضبط الدور الذى لعبته قيادات شابة لحركات سياسية وطلابية، وشخصيات عامة، ووسائل إعلام عديدة فى ثورة 25 يناير، التى تآكلت أهدافها بمرور الوقت، لتصبح مجرد هبة جماهيرية أو هوجة شعبية ضد نظام قمعى جسده حسنى مبارك، ولم تتحول إلى ثورة فعلية تغير من طبيعة البناء الطبقى للسلطة الحاكمة!
فحتى الآن لا تزال التساؤلات مطروحة بلا إجابة عن الدور الذى لعبته قيادات 6 إبريل فى الأحداث الصاخبة خلال السنوات الماضية، وما هى حقيقة ارتباطاتهم الخارجية، وماهى طبيعة الدورات السياسية التى شاركوا فيها فى صربيا وزياراتهم المتكررة لعواصم غربية عديدة، وأيضا لا أحد يدرك طبيعة الصفقات التى أبرمها الإخوان المسلمون مع البيت الابيض ودوائر صنع القرار فى واشنطن، ولا الدور الذى لعبه البرادعى ووائل غنيم وغيرهما واختفائهم الغامض من الساحة!!
ما يحدث فى سوريا بروفة لما يمكن أن يحدث فى مصر، وما يتردد عن وجود داعش فى سيناء والترويج المخابراتى الغربى حول مسئوليته عن تفجير الطائرة الروسية، ثم اعلان التنظيم مسئوليته عن تفجير لبنان الخير فى منطقة برج البراجنة وعن هجمات باريس، يمكن أن تستغله قوى غربية لنقل مسرح عملياتها العسكرية لسيناء، خاصة إذا انطلق منها التنظيم لتوجيه ضربة عسكرية ضد لإسرائيل، لتزيد الأوضاع تعقيدا على تعقيد.
إغلاق هذه الملفات فى مصر هو أقصر طريق يمكن أن نسلكه لتحقيق الأهداف الغربية فى المنطقة، فالتصدى للمؤامرات الخارجية لن ينجح إلا برفع الغطاء عن الألغاز والأسرار المخابراتية التى صاحبت ثورة يناير، بالتوازى مع بناء نظام سياسى قوى ينحاز لجوهر ثورة يناير، ويحقق شعاراتها، ويلبى طموحات جماهيرها.. وإلا فإن نبوءة دوماس لن تكون قاصرة على سوريا!