منذ أيام أثيرت مرة أخرى مسألة إذاعة جلسات مجلس النواب بشكل مباشر. وكان البرلمان الذى تشكل بعد أحداث 25 يناير 2011 قد أذاع جلساته على الهواء مباشرة فى قناة صوت الشعب التى بثت عبر ماسبيرو، وكانت إذاعة الجلسات لكونها تتم للمرة الأولى فى تاريخ البرلمان المصرى، محل جدل، بسبب حداثة التجربة، إذ أن أية تجربة جديدة تكون عادة محل نقاش حتى يعتاد الشعب عليها، فتصبح الأمور عادية بعد فترة.
على أنه بعد أن تشكل أول برلمان عقب أحدث 30 يونيو 2013، وذلك فى يناير 2016 أثيرت مسألة إذاعة الجلسات مرة أخرى، ويومئذ توقف بث الجلسات عقب الجلسة الأولى، وذلك خشية من أن يثار انطباع سيئ عن البرلمان وأعماله والجدل الذى يحدث خلاله. وقد ذكر رئيس البرلمان وقتئذ د. على عبدالعال أن الأعضاء قليلو الخبرة، ومن ثم من الأفضل منع إذاعة الجلسات حتى لا يعطى بعضهم صورة سلبية عن البرلمان. لكن ما كان متصورا وقتئذ أن القرار بمنع الجلسات وراءه عدم الرغبة فى الشفافية أو العلانية، والخوف من أن تؤدى إذاعة الجلسات لنوع من السخط والتهكم من قبل الناس، أو أن تتصيد جماعة الإخوان أخطاء النواب وإدارة المجلس، فيصبح المجلس وجميع التعليقات من نوابه وجدول أعماله مادة لاذعة وساخطة من مواد وسائل التواصل الاجتماعى لحسن ومسىء النية على السواء.
بعبارة أخرى، رأت السلطة وقتئذ أن التعرض للنقد مرة واحدة بمنع إذاعة الجلسات، حتى لو تمت المقارنة بين إدارة الإخوان للبرلمان وإدارة القوى المدنية له، أفضل كثيرًا من التهكم اليومى على البرلمان، بكونه أصبح مادة تشغل حيزًا معتبرًا من وسائل التواصل الاجتماعى.
اليوم تثار المسألة من جديد، وعلى الأرجح أنها لن تنتهى إلى شىء يغير من طبيعة الأمر القائم بمنع إذاعة الجلسات.
مبدأ إذاعة الجلسات أو عدم إذاعتها أمر مختلف عليه بين الدول، ولا تتوقف إذاعته على كون الدول ديمقراطية أو شمولية، فالولايات المتحدة وكندا وهولندا والعراق وباكستان، تذيع الجلسات على الهواء، والمملكة المتحدة كانت حتى وقت قريب تذيع جلسات مجلس العموم على الهواء، حتى قررت منذ سنوات قليلة منع ذلك. وفى عام 2006 ذكر الاتحاد البرلمانى الدولى أن هناك 81 دولة، أى ما يقرب من نصف أعضاء الأمم المتحدة يقومون بإذاعة الجلسات.
وواقع الأمر أن هذا النقاش لا يؤيد أو يعارض إذاعة الجلسات، وإن كان يميل إلى أن إذاعة الجلسات أمر يدعم الشفافية، ويمنع الخوض فى أمور غير حقيقية، مما قد يسهم فى منع إثارة الشائعات. بمعنى آخر أن توضيح الأمور ونشر تفاصيل الحوارات وكشف المواقف خير من البلبلة، حتى لو كان الثمن بعض الهشتاجات على مواقع التواصل الاجتماعى، والتى يمكن هى الأخرى الاستفادة منها عبر تحسين الأداء والشعور بالرقابة الذاتية.
لكن ما هو مؤيد بشكل قوى وصلب هو حتمية تنفيذ الدستور، فالمادة 68 والمادة 120 من مواد دستور 2012 المعدل، تشير إلى أن المعلومات ملك للشعب والإفصاح عنها حق تكفله الدولة لكل مواطن، وأن جلسات البرلمان علنية والاستثناء هو عقد الجلسات السرية بناء على إجراءات محددة.
من هنا فإن ما جاء بالدستور بشأن علانية الجلسات والموقف الفعلى من عدم إذاعتها، لا يجب أن يستند إلى الموقف أو القول الذى يتخذه البعض عندما يحدث نوع من الخلل فى التطبيق، بالقول إن هناك مواعيد تنظيمية، أو أمورا لا أهمية لها لا يمنع تنفيذها القول إن هناك خرقًا للدستور، كسن قوانين الإدارة المحلية أو العدالة الانتقالية أو منع ندب القضاة والتى ذكر الدستور حتمية سنها فى وقت عاجل، لكنها لم تسن حتى اليوم. بعبارة أخرى، فإنه بغض النظر عن إذاعة أو عدم إذاعة الجلسات وهو أمر تبين أنه لا يتوقف على كون النظام السياسى فى الدولة المعنية ديمقراطيا أو تسلطيا، فإنه فى مصر حق دستورى.
إن أكثر ما يفضى لتساؤلات فى شفافية عمل البرلمان هو أن البرلمان منذ عام 2016 منع طبع جلسات المجلس فى مضابط ورقية، وهو الأسلوب الذى كان قائمًا منذ الحقبة شبة الليبرالية قبل عام 1952 وحتى عام 2012، ومع منع إذاعة الجلسات، ووجود قيود على حضور البعض جلسات المجلس حتى من قبل الصحفيين فى المؤسسات القومية وغير القومية. فإن الدائرة تكتمل فى الحاجة للشفافية، وإذاعة الجلسات، منعًا للشائعات ودعم لحرية وحق تداول المعلومات.