قتلَنا تنظيم داعش مرتين، مرة عندما ذبحوا بمنتهى الخسة والوضاعة 21 مصريا بريئا لا ناقة لهم ولا جمل بما يحدث فى ليبيا وربما فى مصر أيضا، والثانية عندما كشفوا بجريمتهم البربرية حتمية إصلاح أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية المتردية، التى أجبرت مئات الآلاف من المصريين، تحت وطأة الفقر والعوز، إلى البحث عن لقمة العيش فى بلد تغشاه الفوضى، وانهارت فيه كل المؤسسات الدستورية والسياسية، ويخوض حربا أهلية ضارية، وتعشش فيه أحط أنواع التنظيمات الإرهابية وأكثرها وحشية..
التنظيم الآن يحارب مصر على حدودنا الغربية مع ليبيا، وحلفاؤه من التكفيريين يخوضون حربا ضد جيشنا على حدونا الشرقية فى سيناء، فى تحالف إرهابى فريد من نوعه، يكاد يشى بأن هناك قوى ما تقف خلفه، تحركه من راء الستار لأهداف استراتيجية كبرى، تريد إسقاط مصر فى طاحونة الفوضى التى تواجهها العراق وسوريا وليبيا وتدق الآن أبواب اليمن.
ورغم كل الغموض الذى يلف الدور الذى تلعبه قوى خارجية فى التوترات الصاخبة التى يعيشها إقليمنا، فإن وحشية الجريمة وبثها على مواقع الانترنت، أشعلت براكين الغضب فى صدور المصريين، المسلمين منهم قبل المسيحيين، ليجعل المزاج العام فى مصر يُدفع بقوة تجاه شن الحرب الشاملة على هؤلاء الارهابيين اينما كانوا، وأنه لم يعد هناك وقت نضيعه، وأن الثأر لدماء هؤلاء الضحايا الأبرياء لم يعد قابلا للمساومة أو للحسابات السياسية البائسة، بعد أن أصبحت هيبة الدولة على المحك، ولم يعد هناك ما نخسره سوى ما تبقى من كبريائنا القومى القديم، وأطلال دور إقليمى ضارب فى عمق التاريخ، أصابه الوهن منذ سنوات حكم السادات ومبارك، وحان الوقت لاستعادته قبل ان نغرق نحن أيضا فى بحور الفوضى.
ولكن هل نحن نحارب داعش وحده، أم أن هناك قوى خفية تقف وراءه، تسلحه، وتدرب رجاله، وترسم له الخطط، وتمده بالمعلومات الاستخبارية، وتصور له فيدوهاته الوحشية على اعلى مستوى فنى وتقنى، لينفذ دورا فى كل الإقليم يتسق مع مخططات فك دول المنطقة وإعادة تركيبها على اسس سياسية وجغرافية جديدة، صحيح ان قواتنا الجوية ردت الصفعة لتنظيم داعش بسرعة، وقصفت مراكز تابعة له داخل الاراضى الليبية فى رد فعل سريع يستجيب للغضب الشعبى العارم فى مصر، لكن الحرب على داعش لاستئصاله من الوجود، لها حسابات عسكرية سياسية أخرى، فإيطاليا اعلنت أمس الأول استعدادها لقيادة تحالف اوروبى مع بعض الدول فى المنطقة لشن الحرب على داعش، بعد أن قال رئيس وزرائها ان خطر الارهاب اصبح موجودا فى حديقتها الخلفية، فهل نشارك نحن فى هذه الحرب التى قد تستهدف فى المقام الأخير تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات، هو ما يتعارض تماما مع مصالحنا وامننا القومى، ام نخوضها وحدنا ونرسل قوات برية قد تغرق فى المستنقع الليبى لعدة سنوات قادمة..؟!
الحسابات معقدة ومكلفة، وأى خطأ فيها قد يتسبب فى كوارث قد لا نتحمل المزيد منها، إلا ان الخطوة التى يجب البدء بها تفرض علينا تنظيم جسر جوى لإعادة المصريين فورا من مناطق التوتر العسكرى فى ليبيا، وانهاك داعش بالضربات الجوية المتتالية، والعمليات العسكرية النوعية على الارض، بما يعنيه ذلك من حتمية الوقوف بجانب قوات اللواء خليفة حفتر بكل قوة، فى معركته النبيلة ضد قوى الارهاب الأسود فى بلاده..
الحرب التى بدأناها فى ليبيا، فجرأمس، لا يكتب لها النجاح بدون بناء نظام سياسى ديمقراطى فى مصر، فضرب تنظيم داعش فكريا وسياسيا لايقل اهمية عن ضربه عسكريا، فالبديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية لن يجد الدواعش مكانا يعششون فيه فى اراضينا، ويمارسون فيها هوايتهم فى القتل المجانى وسفك الدماء البريئة .