الأسبوع الماضى خرجت علينا مجلة الإيكونومست البريطانية لعرض تقريرها السنوى عن حال الديمقراطية فى العالم عام 2021. التقرير الذى أكد تراجع الديمقراطية فى 167 دولة حول العالم، أشار إلى تأثير جائحة كوفيد 19 على هذا التراجع.
تقرير الإيكونومست اعتمد على خمسة مؤشرات تتعلق بالحريات المدنية، وطرائق عمل الحكومات، والانتخابات والتعددية الحزبية، والمشاركة السياسية، والثقافة السياسية.
فى تدريج من 1 إلى 10 صنف التقرير دول العالم، فمنح الرقم من 8 ــ 10 للدول ذات الديمقراطية الكاملة، ومن 8 ــ 6 لدول ذات الديمقراطية المعيبة، و6 ــ 4 للدول ذات الديمقراطية المختلطة مع الدكتاتورية، ومن 4 ــ 1 للدول السلطوية.
فى التصنيف الأول كانت هناك 21 دولة فقط، بنسبة 12.6% من الدول الـ 167 بعدد سكان 6.4%. وفى التصنيف الثانى كانت هناك 53 دولة بنسبة 31,7% بعدد سكان 39.3%، وفى التصنيف الثالث كانت هناك 34 دولة بنسبة 20,4% من الدول المبحوثة وبعدد سكان 17.2%. وفى التصنيف السلطوى والأخير، كان هناك الكم الأكبر من الدول المبحوثة بعدد 59 دولة بنسبة 37.1% من سكان العالم.
وضعت النرويج رقم واحد يليها نيوزيلاندا ففنلندا فالسويد فأيسلندا فالدانمارك، واحتلت تايوان المرتبة رقم 8، وكل من سويسرا وأستراليا المرتبة 9 وإنجلترا 18. وكانتا إسرائيل والولايات المتحدة داخل التصنيف الثانى (الديمقراطية المعيبة) بحصولهما على الترتيبين رقمى 23 و25. وكان نصيب أوروبا الغربية إجمالا 12 دولة من الدول الديمقراطية الكاملة من أصل 21 بها. وكان الأسوأ ديمقراطيًا 5 دول هى أفغانستان فمينمار فكوريا الشمالية فالكونغو الديمقراطية فأفريقيا الوسطى.
ما يهمنا فى التصنيف هو حال البلدان العربية؛ حيث اشتمل التقرير على 18 دولة عربية (استبعد الصومال وجيبوتى وجزر القمر وموريتانيا)، منها اثنان من الديمقراطيات المختلطة مع النظم الدكتاتورية وهما تونس (75) والمغرب (95). أما البلدان العربية الـ 16 فإن هذا التصنيف وضعها ضمن النظم التسلطية بدءا من فلسطين (109) انتهاءً بسوريا (162) وكانت مصر رقم (132).
الأرجح وفقًا للمؤشرات الخمسة المذكورة أن الثقافة السياسية فى الوطن العربى كانت عاملا محوريا فى هبوط ترتيب الدول العربية، إذ يبدو أن غياب ثقافة قبول الآخر واحترام حرية الرأى وغيرها كانت المحك الرئيسى فى التسلطية. المؤكد أيضًا أن فجيعة الشعوب العربية فى التيار الإسلامى المعارض الذى حاول القفز على ثورات الربيع العربى كانت أيضًا ذات تأثير مأساوى على تدهور حال الديمقراطية فى البلدان العربية، وذلك على النحو الذى جرى فى بلدان كفلسطين والسودان ومصر والأردن وحتى تونس التى بقت داخل التصنيف الثالث رغم كل ما عانته من انتكاسات فى الأشهر القليلة الماضية.
واحد من الأسباب التى ربما تفسر تراجع الديمقراطية العربية هى استغناء الشعوب فى بعض البلدان ذات الوفورات المالية والاقتصادات الريعية عن قيم الحرية طواعية، وذلك أملا فى بقاء تلك السمات الممثلة فى الدخول المرتفعة التى عادة تبدل رضاءً مقابل الاستغناء عن الحرية.
سبب آخر مهم وهو أن النخب الحزبية وأحيانًا لوردات الحرب (حالة لبنان) قد يكون لهم تأثير فى تراجع الديمقراطية، وذلك بسبب الرغبة فى احتكار السلطة التى ربما تنحو تجاه بقاء الطائفية (حالة العراق أيضًا)، أو مساندة النظم ذات الأصول العسكرية والحكم بالمراسيم والطوارئ لمنع عودة التيار الإسلامى، وربما بقاء الفاشية (سوريا). أيضا تأجيل الانتخابات أو وجود نظم انتخابية معيبة (ليبيا مثلا) أو مجالس برلمانية كرتونية Rupper Stamp.
من المهم أيضًا الالتفات إلى التدخلات الخارجية كسبب فى بقاء التسلطية فى العالم العربى، خاصة الفساد وغياب المحاسبة والطائفية، وعلى رأس ذلك التواجد الأجنبى بل والاحتلال فى العديد من البلدان العربية ممثلا فى الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وكذلك إسرائيل، وذلك كله للبقاء على حال اللغط واللانظام بداية (ليبيا وسوريا والعراق مثلا). هنا يشار إلى أن هناك بلدان من التصنيف الأولى تدعى أنها تحارب السلطوية وتدعم حقوق الإنسان، لكنها ذاتها تفضل ولمصلحتها الآنية أن تقيم علاقات مع نظم سلطوية أكثر بكثير من نظم ديمقراطية، وكل ذلك يعزز قيم الاستبداد فى الوطن العربى.
ما يمكن أن يخلص إليه من قراءة هذا التقرير المهم، أن الطريق طويل ولكنه ليس مستبعدًا أمام ارتقاء البلدان العربية لمرتبة أعلى فى السنوات القادمة، طالما كانت هناك مساعٍ جادة لوجود قضاء مستقل ورقابة ومحاسبة واحترام لقيم الحرية وتعليم ديقراطى وانتخابات حرة ونزيهة وإعلام حر ومجتمع مدنى وتعددية حزبية حقيقية.